لارتباطه الوثيق، بشهر الصيام، يحاول البعض في سباق مع الزمن ختم القرآن الكريم في الشهر الفضيل، فتراهم مُقبلين على كتاب الله تعالى في صورة ظاهرها روحاني تعبر عن تعلّقهم الشديد به، لكن وبمجرد أن تجلس الى جوارهم وتسمعهم يقرأون كلماته وسوره تدرك أنك أمام «آلة» سريعة أخرجت كلمات الله تعالى من «التدبر» إلى لحظة زمنية مدّتها جزء من الثانية.
وبذلك نكون إمام عملية حسابية الغاية منها بلوغ عدد معين من ختم القرآن فواحد يريد ختمه كل ثلاثة أيام وثاني كل أسبوع ورابع كل عشرة أيام وآخرون مرّة في الشهر، سيرد البعض ويقول إنه شهر القرآن بامتياز، فلماذا لا يغتنم الغانمون من جزاء قراءته وترتيله.
حقيقة هو كذلك، لكن الأكيد أنه لم يكن ليجعل القرآن الكريم مجرد كتاب «تلتهم» كلماته بلا تمعن أو تدبر، العبرة ليس بعدد الختمات، بل بمدى فهمه واستيعاب معانيه، فالقرآن ربيع قلب المؤمن، ينعكس جوهره على كل تفاصيل حياة قارئه.
ركّنا في السنوات الأخيرة الى تدين «المظاهر» الى درجة «إقصاء» كل ما كان خارج دائرتها المحدّدة من طرف أشخاص لا يعرفون من الدين سوى كلمات يتلاعبون بمعانيها بُغية توظيفها لتحقيق مصلحة شخصية، بعيدة كل البعد عن الصالح العام، ولعلّه السبب الذي جعل المساجد تمتلئ بالمصلين، لكن المؤمنين داخله قليلون الى درجة الندرة، لأن الدين بالنسبة للبعض سلعة تُباع وتشترى.
قال ابن مسعود: «لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحرّكوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة.»، هذا بالضبط جوهر قراءة القرآن الكريم تحريك القلوب نحو الخير والايجابية التي نبحث عنها في كل مكان، هو كلام الله المنزّل لا يمكن بما كان تحويله الى عملية حسابية فبين «جمع» و»ضرب» ضاع تمعن معانيه وتدبرها عمن يبحث عن رقم قياسي في عدد الختمات.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.