وصف أستاذ علوم الاقتصاد، عمر هارون، جهود الدولة الاقتصادية لمجابهة تداعيات تفشي فيروس «كورونا» بالمقبولة خاصة وأنها ارتكزت على تقديم حلول للمرحلة القصيرة.
بالمقابل قال إننا بحاجة لإستراتيجية من أجل التعامل مع الوباء الذي سيبقى معنا لمرحلة طويلة لن تقل عن 5 سنوات.
أشار الخبير الاقتصادي في حوار خصّ به «الشعب أون لاين» إلى أن المبادرة الاقتصادية في الجزائر مرتبطة بالدولة، وهو ما يجعل القطاع الخاص في بلدنا بعيد عن ما يجب أن يكون عليه، وحتى حين حاول هذا القطاع النمو فكان لزاما على الدولة دعمه من خلال عقود ما قبل التشغيل المدعمة جزئيا أو كليا من قبل الخزينة العمومية.
«الشعب»: يُحتفى باليوم العالمي للشغل، كيف ترى واقع العمل في الجزائر؟
عمر هارون: المبادرة الاقتصادية في الجزائر مرتبطة بالدولة، ما يجعل القطاع الخاص في بلدنا بعيد عن ما يجب أن يكون عليه، وحتى حين حاول هذا القطاع النمو فكان لزاما على الدولة دعمه من خلال عقود ما قبل التشغيل المدعمة جزئيا أو كليا من قبل الخزينة العمومية، وهو ما يثقل كاهل الميزانية العامة ويربكها.
وكما هو معلوم، هناك ارتفاع كبير في نسبة البطالة في الجزائر، حيث يمثل عدد الشباب ما يقارب 70% من السكان، وهو أمر عادي ومفهوم في مجتمع الفئة النشيطة فيه، الجزائر تفوق 12 مليون شخص، بنسبة بطالة قدّرها الديوان الوطني للاحصاء بـ 11.1% في أفريل 2018، بتراجع عن 2017 قدر بـ 0.6% حيث بلغت البطالة لدى الشباب الحامل لشهادات جامعية 17.6% مقارنة بـ 14.8 % لدى خريجي التكوين المهني، وهو الرقم الذي انخفض بحسب تقرير أفريل 2018 حيث بلغت البطالة عند الجامعيين 16.8 %، 23.1 % منهم إناث مقارنة بـ 10% ذكور مقارنة بـ 12.8% عند المتخرجين من التكوين المهني، أما في 2019 فنسبة البطالة عند الرجال بلغت 66.8 % أما عند الإناث فكانت 17.3 %، حيث أن نسبة البطالة عند الجامعيين بلغت 17.4% مقابل 03 % عند الذين لا يملكون أي مستوى و11.8% عند الذين يملكون مستوى متوسط، لتبقى نسب البطالة في 2020 غير محددة لحد الآن من الديوان الوطني للإحصائيات.
لكن وبسبب جائحة كورونا وما تخللها من مشاكل اقتصادية فيتوقع أن ترتفع نسب البطالة في حدود 20 ٪، ومنه فالحل الآن من أجل العمل على الرفع من نسب التشغيل في الجزائر هو بعث القطاع الخاص ودعمه مع العمل على جلب الاستثمار الأجنبي، خاصة المتعلق بالجالية الجزائرية الموجودة في الخارج.
غياب نظام تحفيزي وثقافة العمل تراجعت
– وماذا عن شريحة العمال؟
ثقافة العمل في الجزائر في تراجع مستمر، بل أصبحت هذه الثقافة غائبة في الكثير من المجالات، وهذا يرجع بالأساس لأنظمة التقييم الموجودة في مختلف القطاعات والمرتبطة في الأساس بالعمل من خلال الوقت دون إدخال عامل الإنتاجية كمعيار للتقييم، فالموظف في الجزائر يقيّم لحضوره إلى مقر عمله من 8 صباحا إلى 16.30 مساء، دون تحديد أهداف واضحة واجبة التنفيذ ليقيّم وفقها، وهذا من عيوب النظام البيروقراطي في التسيير، ما جعل جلّ دول العالم تتخلى عنه وتبحث عن أنظمة جديدة خاصة أن هذا النظام يقتل روح الإبداع والمبادرة لدى الموظف.
ولعلّ أهم الأنظمة التي يمكن أن تخلق لنا قيمة مضافة في الجزائر هو العمل وفق نظام الأهداف، ومنه يمكن لنا تطوير نظام تقييم هجين يجمع بين الوقت وتحقيق الأهداف وأظن أن تفعيل المجلس الأعلى للوظيف العمومي سيكون له دور أساسي في الخروج من هذه الهوّة التي نعيشها، والتي يرجع السبب الرئيسي فيها لعدم وجود نظام تحفيزي للعامل المجتهد مقارنة بالبقية.
– كيف تقيّمون جهود الدولة، منذ بداية تفّشي فيروس «كورونا»؟
جائحة كورونا ستبقى معنا لمدة طويلة، للأسف هذا الواقع الذي بدأ يتجسّد من خلال المعطيات المختلفة التي ظهرت وتظهر تباعا، وأظن أن جهود الدولة تركزت على تقديم حلول للمرحلة القصيرة والتي كانت مقبولة لحد بعيد من خلال محاولة مساعدة الفئات المتضرّرة من خلال منحة شهرية، ودعم العمال الذين قاوموا الوباء كالجيش الأبيض وعمال النظافة من خلال منح الخطر، ومحاولة تقليل عبء الضريبة والضمان الاجتماعي على المؤسسات الخاصة.
لكننا الآن بحاجة لإستراتيجية للتعامل مع الوباء الذي سيبقى معنا لمرحلة طويلة لن تقلّ عن 5 سنوات وظهر منها الجزء المتعلق بمحاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعات الصيدلانية والفلاحية، لكن تراجع مداخيل النفطية وتراجع نسب إنشاء المؤسسات مقارنة بإرتفاع نسبة تعثّر المؤسسات الاقتصادية يجعل الإنتاجية في الجزائر في تراجع مستمر، ومنه فوجب على الدولة في المرحلة الحالية وبشكل سريع بعث لجان تفكير لتوقّع المشاكل التي ستعترض الجزائر في الخمس سنوات القادمة إقتصاديا والبحث عن حلول عملية لها.
– هل تمّت المحافظة على المؤسسات ومناصب العمل؟
فكرة المحافظة على المؤسسات ومناصب العمل هي فكرة توارثناها عن النظام الاشتراكي، والحقيقة أن وظيفة الدولة ليست البحث عن كيفية المحافظة على المؤسسات ومناصب العمل، بل في توفير مناخ عمل جيد يسمح بخلق مؤسسات وشركات، والنجاح أن يصبح عدد المؤسسات التي تستحدث سنويا أكبر من عدد المؤسسات التي تفشل وعدد المناصب التي تتوفر أكبر من عدد الوظائف التي تفقد، وهنا يصبح العامل الذي يفقد منصب عمله قادر على إيجاد بديل لتوظيفه مرّة أخرى والدولة تجد بديل عن المؤسسة التي لم تعد تدفع ضرائب بمؤسسات بديلة تحل محلها.
الدولة حاولت في الكثير من الأحيان إحياء مؤسسات عمومية اقتصادية بقروض ومنح، لكن سرعان ما استهلكت هذه المؤسسات هذه الأرصدة ودخلت في حالة تعثر جديدة وطلب قروض جديدة والأمثلة كثيرة ومتعددة، وكذلك هو الحال في القطاع الخاص حيث استفادت بعض المؤسسات من إعفاءات ضريبية لمدة 5 سنوات ودفعت لها الدولة أجور عمالها، من خلال عقود ما قبل التشغيل، لكنها لم تقدم أي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، بعد تلك المدة، وهنا فعلى الدولة أن تتبع قواعد السوق الحر المعتمد على منح الحرية وتوفير المناخ المناسب والبقاء يكون للأقوى والأصلح.
– مطالب في عديد القطاعات بسبب انخفاض القدرة الشرائية، ما تعليقكم؟
المنظومة الاقتصادية في الجزائر مبنية على دعم الدولة للمنتجين، وهذه المنظومة أثبتت فشلها فالتحويلات الاجتماعية في الميزانية عادت ما تفوق 1700 مليار دينار، وهو مبلغ ضخم جدا، لكن المشكل في كيفية تحويل هذه المبالغ لمستحقيها، والحل هنا إعادة النظر في المنظومة الاقتصادية ككل من خلال تحويل الكتلة الخاصة بتحويلات الاجتماعية لصالح الأجور وتحرير الأسعار في المقابل.
هذه العملية تحتاج إلى دراسات عميقة وخطة محكمة من أجل تجنّب حدوث إنزلاقات اجتماعية، وأهم ما يجب أن يتم إحصائه هو تحديد دقيق للفئات الهشّة التي لا تملك دخلا، لمعاملتها بشكل خاص، ودراسة أخرى لتحديد الأجر الأمثل في ظل توازن الأسعار الذي سيكون، كما أن هذه المرحلة سيتم فيها تحرير سعر الصرف، خاصّة واحتياطي الصّرف في الجزائر وصل إلى مستويات دنيا قد لا تكفي لسنة أخرى من الاستيراد، وهو الحل الذي سيجعلنا نخلق توازنات جديدة، أسعار جديدة، أجور جديدة، وبالرغم من صعوبتها، إلا أنها ستكون نواة صلبة لخلق اقتصاد قوّي يمكن فيه للمواطن أن يحدّد أين يمكن له أن يصرف أمواله ومن أين يأخذ الخدمة التي يريدها دون إجبار أو إرغام، وهي مرحلة سنذهب إليها لا محالة.
لكن أتمنى أن نذهب إليها وقد حضّرنا لها أنفسنا أحسن من أن تفرض علينا، ومنه فأي زيادة في الأجور حاليا ستكون عبارة عن زيادة وهمية، لأن التضخم سيمتصها مباشرة، وكل ما سيحدث هو ارتفاع الطلب مقابل ثبات العرض، وهو ما سيجعل الأسعار ترتفع أكثر، مما سيجعل الزيادة وكأنها لم تكن.
– هل أثّرت الأزمة الصّحية على عالم الشغل؟
كلما كان الاقتصاد كبيرا كلما كانت نسبة تأثير الجائحة أكبر، وفي الجزائر يمتص القطاع العام حجما كبيرا من العمال ما يفوق بقليل 4 ملايين عامل يقابلهم حوالي 7 ملايين في القطاع الخاص، وهم الذين تأثروا بشكل كبير بجائحة كورونا خاصة في بعض القطاعات كالسياحة، النقل، المدارس الخاصة، والعديد من القطاعات الإنتاجية، لكن استطاعت الحكومة بالإجراءات المتخذة التحجيم من الأزمة، لكن المشكل الذي ظهر الآن هو غياب فرص العمل للمتخرجين الجدُد من الجامعات ومراكز التكوين المهني، وعدم وجود فرص لتوظيف من فقدوا مناصب عملهم في مرحلة الجائحة، وحتى الجهود المبذولة في مجال حثّ الشباب على إنشاء مؤسّساته الخاصة من خلال مختلف الآليات المقترحة لم تقدّم لحد الآن البديل لمشاكل عديدة ومتعدّدة، بعضها يعود لمناخ الأعمال والبعض الآخر لمشاكل تاريخية.
– ما هي الحلول التي ترونها مناسبة للمحافظة على ما تحقّق والعمل على تحقيق أكثر؟
لا توجد حلول سحرية لحلّ المشاكل الاقتصادية، والواقع الاقتصادي المعتمد على العوائد النفطية، بنسبة تفوق 98 ٪، يجعل الجزائر بحاجة إلى ثورة اقتصادية، بداية تكون من خلال تغيير المفاهيم، وإعادة النظر في دور الدولة، وإعادة النظر في هندسة الحكومة من خلال تثبيت النظرة التنفيذية للحقائب الوزارية المتعلقة بالمجال الاقتصادي والتي أصبحت تتغير في كل تعديل، مع الحرص على إنشاء وزارة اقتصاد قادرة على تنفيذ رؤية واضحة ومنسجمة في المجال، تحرير المبادرة الفردية والسماح للجميع بدخول مجال إنشاء المؤسسات دون التركيز على فئات معينة كمتخرجين من الجامعة مراكز التكوين المهني، وصولا إلى منظومة قانونية واضحة ومدروسة بدّقة، وهو ما نحتاجه في قانون الاستثمار الذي لم يصدر إلى حد الآن ولا يجب أن يكون فيها تغيير القوانين، كلما رحل وزير عن قطاع، كما حدث مع دفتر تصنيع واستيراد السيارات.
يجب البحث عن أدوات تطوير مناخ الأعمال وتحسين ترتيبنا في التقارير الدولية التي نحتل فيها المرتبة 157 من 190 دولة، وهو ما يحتّم علينا تعديل مناخنا، وفق معايير الترتيب الدولية، وصولا لتطوير بُنانا التحتية على غرار ميناء الحمدانية والطريق السيار شمال جنوب، وهو المشروع الاستراتيجي الذي يمّكن الجزائر من تحقيق مكاسب عظيمة في المجال، هذه النقاط لن تتحقق والجزائر لا تملك مراكز البحث والتفكير التي تعتبر نقطة إنطلاق أي مشروع قوّي وحقيقي.