اختلف النّقاد هذا العام – كما هي عادتهم كل عام – في متابعة الأعمال الدّرامية والكوميدية، فذهب فريق إلى القول بـ «تدهور الذّوق العام»، بينما ذهب فريق آخر إلى القول بـ «حرص المنتجين على إرضاء الأذواق» (المتدهورة)!!..
أما الفريق الأول، فهو يبرّر موقفه بما يلاحظ من تركيز على الواقع الاجتماعي، وكأن الدّراما ينبغي أن تفتكّ الأفكار التي تعالجها من الواقع الفضائي، أو من واقع الحياة بأعماق البحار، بينما يميل الفريق الثاني إلى تسويغ «التّدهور» بالحرص على الإرضاء، وكأن المنتجين أناس يتمتعون بالرّفعة دون غيرهم، أو أنهم يرون ما لا يرى الناس، ويتعاملون معهم مثل الأطفال الذين نلقي إليهم بأيّة لعبة بقصد إلهائهم..
ما وصفناه بأنه «اختلاف» فريقين من النّقاد، إنما هو اختلاف سطحيّ، فالموقفان معا يكادان يعبّران عن نفس المضمون من زوايا تؤدي في الغالب إلى نفس النتيجة، فالتّهمة الموجهة إلى «الذّوق العام» مع الفريق الأول، هي نفسها التي تتوجّه إلى المنتجين بأسلوب آخر مع الفريق الثاني، وهذا يعني – بتحصيل حاصل – أنّ التّدهور الحقيقي إنّما يعشّش في النّقد وأدواته ووسائله ومرجعياته التي لم تخضع إلى أيّة مساءلة ولا مراجعة منذ «حفظ» النقاد المقولات المتداولة في أقسام الليسانس..
ولن نخوض في العلاقة الجدلية التي تجمع الفنان بالناقد، ونكتفي بـ»التسطيح» الذي أسس له النقاد والفنانون معا، وهؤلاء جميعا يتفقون على أن لا مكان للفنّ والنّقد تحت الشمس إلا في شهر رمضان المبارك، وكأن باقي أيام العام لا تصلح للكتابة الفنيّة والنّقدية.
نعتقد أن الفنان لا يسعى إلى إرضاء الناس، وإنما يفوز برضاهم حين يقتنص تلك اللحظة السّحرية التي يقول فيها ما يتسلل إلى قلوب الناس فيحسّون بأنّه عبّر عنهم، أو سبقهم إلى ما كانوا يرغبون في قوله، فإذا جاء الناقد متأبّطا القوالب التي اصطنعها لنفسه، وأراد أن يضع كل الأعمال الفنيّة فيها، فإنه لن يتجاوز حدود التنميقات البلاغية، وهذه – كما هي حال الدّنيا – لا تنفع الفنان في شيء، وإنّما تحضّر لموسم مقبل لن يحقق أيّ اختلاف..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.