يعاني 111 طفل يسكنون حي «الشيخ جراح» بالقدس وضعا نفسيا رديئا جراء ما يرونه في هذه الأيام من قمع وحشي أثر عليهم من الناحية النفسية، إذ باتوا يسألون طوال الوقت: ما مصيرنا؟ وأين ستذهب كتبنا وألعابنا؟
هؤلاء الأطفال وبرغم سنّهم الصغير، قرّروا التحدّي ومشاركة الكبار وقفاتهم واعتصاماتهم، ينصتون بعمق لنقاشاتهم التي تغرس في نفوسهم مزيدا من الوعي والتمسّك ليس بالمنزل الذي يأويهم فقط، بل وبالأرض التي تحضنهم.
من بين هؤلاء الأطفال الرجال، عارف حماد،الذي لما طلب منه التعريف بنفسه قال بنبرة حازمة «أنا من حي الشيخ جراح المهدد بإخلاء منزلي، عمري 9 سنوات، عرفت العام الماضي أن المستوطنين يريدون الاستيلاء على بيتنا فبدأت المشاركة في الجلسات والاحتجاجات لأفهم ما يجري حولي، ورغم صوت القنابل ورائحة المياه القذرة، فأنا صامد هنا مع أهلي». ولما سئل عن أمنيته، ردّ :» أن أعيش في منزلي آمنا كبقية أطفال العالم، وأن ألعب مع الأولاد بالمدرسة وأنا مطمئن، فجميعهم يلعبون بسعادة، وأنا أفكر خلال الفسحة المدرسية بالمنزل وأخشى أن أعود ولا أجد أسرتي به».
شيء مريع ما يتكبده الطفل عارف حماد، وأطفال فلسطين تحت سوط جلّاد لا تعني الطفولة والإنسانية شيئا بالنّسبة إليه، فهو مستعدّ للدوس عليهما وتصفية كلّ من يعترض طريقه، وإذا كان هو ينسى، فنحن لا ننسى أبدا ذلك الإعدام الجبان للطفل محمد الدرة في 30 سبتمبر 2000 عندما كان يحتمي إلى جوار أبيه بجدار إسمنتي صغير في شارع صلاح الدين، جنوب مدينة غزة.
لكن برغم ما يعانونه، فأطفال فلسطين، هم كالرجال في الدفاع عن قضيتهم، والاستشهاد دونها، فأين زعيم السفاحين الأول ابن غوريون، مؤسس الكيان الصهيوني ليصحّح مفاهيمه، عندما قال: «الكبار يموتون .. والصغار ينسون».
صحيح الكبار يموتون فهذه سُنة الحياة.. ولكن غاب عن عصابات الصهاينة، أن هؤلاء الكبار أخذوا على أنفسهم عهدا ووعدا، أن يزرعوا فلسطين في قلوب وعيون أبنائهم وأحفادهم فلا ينسوها أبدا..
اليوم والذكرى 73 لنكبة النكبات تقترب،مازالت الأجيال الفلسطينية تتوارث النضال و الكفاح، وانتفاضاتها مستمرّة كأمواج البحر، موجة تلد أخرى حتى يبلغ المد الشاطئ، وسيبلغه حتما مادام هنالك أطفال مثل عارف حماد من حي الشيخ جراح.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.