البيروقراطية أكثر من آفة، إنها «غول» يبث الفزع لدى كل من يطلب خدمة عمومية، وان كانت بعض المرافق حققت شوطا معتبرا في كسر «أنيابه» وتطويع ممارسات البيروقراطي من خلال الرقمنة، مرافقة بحرص من لديهم ضمير على حماية حقوق الناس وعدم الاستثمار فيها لأغراض منفعية، عنوانها، فساد، انتشرت رائحته الكريهة منذ سنوات.
المعركة اليوم مع هذا الوحش الضاري المتخفي في أكثر من قطاع، تتطلب تكاتف الجهود لكسب الرهان في وقت قياسي وبأقل كلفة عن طريق تعزيز مسار إدخال التكنولوجيات الجديدة في ساحة المرفق العمومي، ضمن خيار الإدارة الإلكترونية، مع نشر منظومة الأخلاقيات المهنية وفي نفس الوقت إرساء تدابير قانونية وتنظيمية تفرض التزامات على أطراف المعادلة.
الأخلاق وحدها لا تكفي إذا لم تؤطر بإجراءات تنظيمية دقيقة وصارمة لا تقبل التأويل، تضبط الآجال وتدقق الوثائق وتلزم الإدارة، أيا كانت، بالرد كتابيا على طلب وحاجة المواطن، وهو ما تشكل ضمن اليوم الدراسي حول الأخلاقيات في الإدارة والمؤسسة العمومية، أحد شروط بناء مواطنة سليمة جوهرها الإنسان باعتباره الوسيلة في التغيير والهدف منه.
لم يعد يُحتمل زمن الوساطة والقهوة والبحث عن معارف من أجل خدمة مشروعة، فرصة عمل، تسوية ملف، الحصول على حق لدى القضاء، ومن ثمة لا مناص من أن يعود المرفق العام إلى وظيفته تحت مظلة القانون، الفيصل بين الأطراف، لا يهتز أمام مال فاسد أو نفوذ ما.
مثل هذا التغير يجد حتما مقاومة ممن حوّلوا الإدارة إلى سجل تجاري، يعرقلون كل إجراء جديد بتفسيرات غامضة وتأويلات مغلوطة، تحدث انعكاسات سلبية على الصعيد العمودي لهرم الدولة، أمر لن يستمر في زمن شفافية النشاط وتقليص الهوة بين الأطراف ليكونوا وجها لوجه، فيبزغ الحق وتنهار «إمارة» الفساد المشكلة في أذهان من أضاعوا بوصلة دولة الحق والقانون.
تجفيف منابع الفساد، وقد بدأ في حقل السياسة من بوابة الانتخابات، مهمة تتعدى الظرف وتؤسس لمستقبل، تكون فيه القيم والأخلاق والسلوكات الحميدة قاسما مشتركا ينهي هيمنة «لوبيات» نتنة، ما أن يغلق أمامها باب إلا وجدت منفذا، لتبقى في المشهد شعارها «نلعب ولّا نحرّم».
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.