الكلمات مهما كانت دقيقة لا يمكنها وصف ما حدث في بوسعادة والمسيلة لما هاجت السيول.. وحدها صور وفيديوهات هاربة من غضب الطبيعة بإمكانها تقريب الصورة..
العارفون بتاريخ ولاية المسيلة، يدركون أن لها من اسمها نصيب، حيث يرجع اشتقاقه إلى أن المدينة موجودة على شكل حوض منبسط، بمجاري مائية.
تقع ولاية المسيلة في حوض “الحضنة”.
وتعيش الولاية منذ ليلة الثلاثاء الى الأربعاء على وقع هطول أمطار لم تشهدها منذ زمن، حيث فاضت الوديان، وغمرت الجسور، وامتلأت شوارع بلدياتها ببرك مياه كثيرة
البداية كانت ليلة الأربعاء حيث لم تتوقف الأمطار عن الهطول لغاية الصباح، أسفرت عن خسائر معتبرة في الأرواح والممتلكات.
تم تسجيل أولى الوفيات بين حدود ولايتي الجلفة والمسيلة، في بلدية سليم، في وادي الخنق أين انتشلت جثة الضحية الأولى، شاب في الـ 37، بالطريق الوطني السادس والأربعون.
الضحية الثانية ببلدية عين الملح المحاذية لولاية بسكرة، جرفته السيول وهو على متن سيارته لمسافة أربع كلم، من الطريق الوطني رقم.70
وسجلت بوسعادة ضحيتين (امرأة وابنتها) كانتا على متن سيارة جرفتها السيول، وعثر على جثة السائق المفقود منتصف نهار السبت، بوادي جنان الرومي، وكانت سيارة الضحايا قادمة من بلدية ولتام إلى مدينة بوسعادة قبل أن تباغتها السيول وتجرفها إلى وادي بوسعادة.
ولايزال البحث جاريا عن كهل خرج لأداء صلاة التراويح بمدينة بوسعادة، وجدت سيارته مجروفة بالوادي.
مخلفات الفيضان
الفيضانات تسببت في غلق 11 طريقا وطنيا وولائيا في العديد من المحاور الرئيسية، جراء تضرر العديد من الجسور ومحاور الطرق في الولاية.
وسجلت مصالح الحماية أزيد من 50 عملية إنقاذ، في مناطق متفرقة من الولاية، منها عالقون في الأودية، ومحاصرون بالمياه في الطرق والمنازل.
من بين عمليات الانقاذ الناجحة، حالة الطفل أحمد حبيب.
أجرينا اتصالا هاتفيا مع والده، مراد حبيب، الذي تحدث عن تفاصيل الحادثة.
ذهب الابن لمشاهدة تدفق مياه الوادي لسد وادي الشعير، ودخل الوادي ليغسل رجليه من الطين فسقط فيه.
بعدها قام مواطنون بمحاولة إنقاذ الطفل احمد باستعمال سلك كهربائي لكن محاولتهم باءت بالفشل.
بعد ذلك جاءت الحماية المدنية لدائرة بن سرور وفشلت كذلك في إنقاذ الطفل وكادت السيول أن تجرف بعض المنقذين، حيث شربوا مياه السيول رفقة مواطنين، خلال عملية الإنقاذ.
بعدها ربط عناصر الحماية والدرك، رفقة مواطنين، حبلا بين جهتي الوادي، وخاطر مواطن، إسمه عادل بن العشي، بنفسه لإنقاذ الطفل وساعده مواطنان بالعمل على إخراج الطفل تدريجيا من منتصف الوادي.
في تلك اللحظات، زاد تدفق الوادي، وكان الطفل قد أمضى أزيد من ساعتين متمسكا بشجرة، ليأتي شخص ثالث يدعى بن محجوبة بن علي، ربط نفسه بالحبل، وتقدم نحو الطفل وربطه بالحبل وأخرجه تدريجيا..
ولما تمت العملية بنحاج زادت السيول بشكل كبير ومذهل، وغطت المكان بطميها المجروف، ومائها الهادر..
وعمت الفرحة حد البكاء، عناصر من الدرك والحماية ومواطنين كانوا بعين المكان.
قال والد الطفل أحمد حبيب إنه كاد يفقد الأمل في إنقاذ ولده، وبعد إنقاذه قال جملة معبرة كثيرا: عشت شعورا لا أستطيع وصفه!
لما صدأت السيول وابتلعت الأرض ما هاج فوقها، ظهرت بنى تحتية فيها نقاط سوداء، وقف عليها وزير النقل والأشغال العمومية كمال ناصري، خلال زيارته التفقدية لمخلفات الفيضانات بالمنطقة، منها وادي جنان الرومي ومنطقة قمرة بعين الريش..