تحول حي”الشيخ جراح” في مدينة القدس المحتلة إلى رمز للنضال الفلسطيني، وارتبط اسمه بعمليات تهجير العائلات الفلسطينية.
ما يلفت الانتباه في حي “الشيخ جراح” بمدينة القدس الشرقية المحتلة، هي مئذنة مرتفعة من مسجد صغير في وسط الحي الذي يربط بين الجزء العربي من المدينة وشمال فلسطين.
يقول مؤرخون إن المسجد أنشئ عام 1895 إلى جانب “الزاوية الجراحية” التي أقامها الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجرّاحي، الذي كان أحد أمراء صلاح الدين الأيوبي.
وقال الشيخ ناجح بكيرات، نائب مدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس: “تُنسب الزاوية الجراحية إلى الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجرّاحي، ولاحقا نُسب الحي بأكمله له، وأطلق عليه الشيخ جرّاح”.
وأضاف بكيرات لوكالة الأناضول التركية: “الأمير حسام الدين الجرّاحي كان طبيبا ومفسرا وشيخا ومجاهدا.”
ويظهر بجانب الزاوية أرضا كبيرة فارغة عليها أشجار زيتون، وعدد قليل من المنازل، وبعض المنازل القديمة ما زالت موجودة حتى اليوم، وهي تقع بملكية عائلات عريقة في المدينة.
أكثر الأحياء تكلفة
وإن كان “الشيخ جراح” من أوائل الأحياء الفلسطينية التي تقام خارج أسوار البلدة القديمة، فإن الحي الذي تزيد مساحته عن 800 دونما، يبلغ تعداد سكانه ما يزيد عن 38 ألف نسمة.
ويعتبر الحي من أكثر أحياء القدس الشرقية تكلفة، وهو المفضل للدبلوماسيين والبعثات الدبلوماسية الغربية.
فإلى جانب “مسجد الشيخ جراح”، يقع فندق الأمريكان كولوني الشهير، الذي يعود تاريخه إلى أواخر القرن التاسع عشر.
وليس ببعيد عنه، تقع العديد من القنصليات الدبلوماسية منها البريطانية والإسبانية والتركية والسويدية والبلجيكية والإيطالية والفرنسية وغيرها.
ويمكن رؤية أعلام هذه الدول ترفرف على أبنية تاريخية في هذا الحي، الذي ينظر إليه على أنه مركز الثقل الدبلوماسي الغربي في المدينة المحتلة.
وحتى العام 1990، كان “بيت الشرق” على بعد مئات الأمتار من المسجد، وهو المقر شبه الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي كان القيادي فيصل الحسيني يدير من خلاله شؤون القدس.
وعلى أحد جوانبه، يقع قصر مفتي القدس، الراحل الحاج أمين الحسيني، الذي تقيم إسرائيل مستوطنة على الأرض المحيطة به، كما أنه فيه فندق “الامبسادور” الشهير في المدينة.
وكتب المؤرخ رائف نجم، عن هذه الزاوية الجراحية في كتابه “كنوز القدس” فقال: “تتكون معماريا من ساحة مكشوفة، يحيط بها عدد من الغرف المختلفة الحجم والمساحة والتسقيف.”
وأضاف: “أكبر تلك الغرف هي غرفة الضريح، وهي بناء مربع الشكل بسيط التكوين، تغطيه قبة بعد تحويل أعلى أركان المربع إلى دائرة تشكل رقبة القبة”.
وتابع نجم: “وقد فتح في منتصف الجدار الجنوبي لهذه الغرفة محراب على هيئة حنية عميقة في الجدار، وأما الضريح فإنه يقوم وسط الغرفة، ويتكون من بناء حجري مستطيل الشكل عالي الارتفاع، وتغطيه الآن ستائر من الأقمشة الخضراء ويمكن الوصول إلى غرفة الضريح بوساطة مدخل شمالي بسيط التكوين في الجدار الشمالي منها”.
ويضيف: “يوجد نقش كتابي حجري، وسط الجدار لغرفة الضريح من الخارج، ويتضمن النقش اسم الأمير الجراحي، وسنة الوفاة”، وقد ألصقت بهذا الجدار غرفة صغيرة، يصعد إليها بثلاث درجات بحيث يبدو النقش الكتابي بداخلها.
وعن المسجد يقول نجم: “أما بيت الصلاة الذي يقع في الجهة الجنوبية الغربية من الزاوية، فإنه أضيف اليها حديثا، فقد بني في سنة 1895، وهو بيت مستطيل الشكل، ذو سطح مستو، وله نافذتان معقودتان في كل جدار من جدرانه الجنوبية والغربية والشرقية، وله مدخل في جداره الشمالي ويقابل المحراب في الجدار الجنوبي”.
ومن جهته، يقول المؤرخ عارف العارف، في كتابه “النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود”: “سُمي هذا الحي بهذا الاسم نسبة إلى الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجرّاحي، وهو أحد أمراء الملك صلاح الدين الأيوبي الذي توفي ودُفن في زاويته الكائنة في الحي عام 1201.”
أهمية استراتيحية
ويشير العارف إلى الأهمية الاستراتيجية لهذا الحي، باعتباره يقع على طريق نابلس في شمال المدينة.
ويضيف أن الصهاينة صبوا جل اهتمامهم عام 1947 على الحي، مضيفا: “متى استولوا عليه، سيطروا على طريق القدس- نابلس وقطعوا كل اتصال بين الجزء العربي من المدينة والجزء الشمالي من فلسطين.”
وتابع: “معظم سكان هذا الحي من الطبقة الراقية، وجلهم إن لم نقل كلهم من الأغنياء، ولهم مكانتهم في المجتمع، متى قضي عليهم، أو تشردوا حرمت المدينة من مورد كان من المستطاع أن يغذيها بالعقل والمال، وهذا ما حدا باليهود لأن يفكروا، لا في ازعاجهم فحسب، بل والاستيلاء على حيهم.”
ويتحدث العارف في كتابه عن العديد من المعارك التي وقعت في الحي، بين سكانه والإسرائيليين..
وقال: “عندما انسحب الجيش البريطاني من الشيخ جرّاح في 14 ماي 1948 قامت معركة بين العرب ورجال (عصابات) الأرغون من الصهاينة من أجل احتلاله، فتغلب الصهاينة على العرب بقواتهم الكبيرة التي قذفوها إلى الميدان، واحتلوا مع العصر معظم منازل الحي.”
غير أنه أشار إلى انسحاب القوات الصهيونية في 19 ماي 1948 تحت نيران طلائع الجيش العربي و”رفرفت راية العرب على الحي.”