بدأ خطاب خبيث يتسلل إلى الألسن مستهدفا القضية الفلسطينية، ويرمي إلى بثّ الإحباط، وتثبيت روح الاستسلام للأمر الواقع، ويمرّر هذا الخطاب سمومه من خلال صناعة مجموعة من الصّيغ البلاغية والمغالطات المنطقيّة التي تقدم الضّحية في ثوب الجلاد، والقتيل في صورة المجرم، بل وتشكّك في أدقّ العواطف التي نشأت عليها أمّتنا وتشرّبتها، وجعلتها من صلب عقيدتها..
لا شكّ في ضعف الخطاب الخبيث؛ فهذا ضعفه من خبثه، ولكن طبيعة انتشاره تحدّث عن آلة تحكم جيدا آليات هذه الصناعة، وتعرف كيف تسيّر أدواتها، فالمغالطة المنطقية يمكن أن تستقر بسهولة في الأذهان، وتتحول إلى أداة حجاج عالية الكفاءة.
ولنا أن ننظر حين نجد من تتفتّق «عبقريته المذهلة»، فلا يرى في الإجرام الصهيوني سوى (ردّ فعل طبيعي على عمليات غير محسوبة)، وأن المقاومة (تورط الأبرياء في حرب لا طاقة لهم عليها)، وأن (الحجارة لا تقابل الدبابة والطائرة)، بل إنّ هناك من تتقطّر عبقريته فيذهب إلى أن (التزام الفلسطينيين بالدين، هو سبب تفوّق الصهاينة)!!.. هذا، وكثير من اللّغط الذي يضع صاحب الخطاب في الصفّ الفلسطيني ويخدم (بوعي أو بغير وعي) المجرمين الصهاينة..
إذا قدّرنا، أنّ الالتزام بالدين يفرّق الصفوف ويسبّب الهزائم، فإنّنا لا نفهم لماذا يتفوّق الصهاينة في رأيهم!! لعل هؤلاء يلتزمون بـ(القصبر والمعدنوس) من يدري!!.. وإذا كان قتل المدنيين العزّل (ردّ فعل طبيعي)، فلماذا لا يكون الهجوم على المسلحين هو الآخر ردّ فعل طبيعي على مستعمر غاشم استولى على أرض ليست أرضه!!، وإذا كانت الحجارة ضعيفة وغير مجدية، فلماذا يقابلها الصّهاينة بـ»الدبابات»؟!
على كل حال، هذا الخطاب الخبيث ليس جديدا، وعادته أن يشتغل بقوة ضد الحق المبين، وسبق أن حرّك آلياته ضدّ حركات المقاومة الجزائرية في القرن التاسع عشر، ولم يسلم منه جيش التحرير الوطني في القرن العشرين، فإذا كان الفلسطينيون يستعملون الحجارة والأسلحة الخفيفة، فإنّ الجزائريين استعملوا المذاري والمناجل ومدافع الكرّوش، وكانت التكبيرات تجلجل عند كل اشتباك، ولننظر أيّ حجة مبيّنة بقيت للخطاب الخبيث..
أما إذا كان «الموت» هو محفّز الخطاب البائس، فإنّ هذا الموت ليس حظ الصالحين وحدهم، فالخبثاء والمعتوهون يموتون أيضا..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.