يحمل الخطاب الثّقافي الفكري المعرفي هويّة العقل الذي رسم سياقاته الأولى، وأقصد هنا الـ «كُرُومُوزُوم» أو الخلية الجينية للإنسان الواعي المستوعب الدارك العارف والملم، ولا يمكن لهذا «الكروموزوم»، أن يكون عكس الفكرة الأولى فهو صورة طبق الأصل للأنا، والرّسالة تحمل هويّة صاحبها وتعكس صورته لدى الآخر سواء المتلقي أو الفرد الفاعل في الخطاب، وأقصد هنا خطاب المؤسسة او الهيئة بما فيها المشهد الثقافي، مسرحا، جامعة أو غيرها.
المشهد الثقافي يعيش تراكمات لخطابات متباينة لها تأثيراتها السلبية على المتلقي بصفة عامة، وهذه الخطابات نتاج واضح لمراحل متعبة ساهمت في إضعاف الخطاب كرسالة تعبير تنقل الاختلاف والتباين كما تنقل الوضوح والرؤية.
ساهمت بعض الخطابات العابرة للأوطان في تبني أفكار غريبة عن المجتمع، بعيدة عن هويته ككيان له سلطته الفكرية ذات مرجعية ثابتة المعالم مستمدة من مجتمع متفتح على الآخر، وهي في غنى عن تراكمات مصدرها إملاءات جاهزة.
الخطاب الاقصائي إنكار لوجود الآخر كشريك وفاعل يضمن الحد الأدنى من الحوار، ويسهم في تجلي خطاب العقلنة عن طريق النقاش فيستمر الاختلاف مهما كان هوة التباين جلية أو خفية، فهو لا يخضع لا للميول ولا للأهواء، وما أحوجنا اليوم إلى خطاب العقلنة حين تبنى أفكاره على التهذيب والرؤى الواضحة السليمة، أما الخطاب المزاجي فلن يسهم في بناء أي مشروع يضمن تعايش الرأي والرأي الآخر، والخطاب العدائي سيعمّق الهوّة أكثر ويضع حواجز هلامية.
حاولت إملاءات خارجية ومأجورة التأثير في النسق العام للخطاب، فتركت هذه الأخيرة أثرها البالغ عن طريق تراكمات وممارسات الخطاب العدائية، الإقصاء ومن هنا أصبح الفكر يحمل جينات هذه المخرجات على كل المستويات حتى داخل الأسرة الواحدة، ولنا في مشهدنا الثقافي أمثلة عن هذه الإفرازات التي هيمنت على الخطاب وشكّكت في حركة الوعي السياسي، فصعب إخراجها من الضيق إلى الرحب.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.