يرى محللون سياسيون أن رفض الجزائر التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي يجعل منها حالة استثنائية في العالم العربي. ويقول بعضهم إن الخضوع العربي والأوروبي للهيمنة الأمريكية شجّع حكومة بنيامين نتنياهو على ارتكاب جرائم متتالية بحق الفلسطينيين.
استطلع موقع “الشعب أونلاين” آراء عينة من دكاترة وأساتذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر ، وفي المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية، وذلك بشأن التطورات الجارية منذ أسابيع في قطاع غزة، وموقف الجزائر منها، قي ضوء التخاذل العربي والدولي حيال ما يرتكب ضد المدنيين العزل في الأراضي المحتلة.
“موقف تاريخي”
ويتحدث الدكتور المختص في العلاقات الدولية، مصطفى صايج عن الموقف التاريخي للجزائر حيال القضية الفلسطينية، ويروي في تصريجه لـ “الشعب أونلاين” من مكتبه بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية، كيف أن بلادنا ساهمت خلال السبعينات والثمانينات، في دعم منظمة التحرير الفلسطينية، وإيصال صوتها لأروقة الأمم المتحدة والمحافل الدولية.
ويقول إن الموقف الجزائري حيال الحق الفلسطيني يتسم بالثبات وبالاستمرارية، انطلاقا من بيان أول نوفمبر الذي كرّس دعم الحركات التحررية في العالم. وكان لدى وزارة الخارجية فروعا خاصة لدعم هذه الحركات في العالم.
ويعدد الأستاذ الجامعي المواقف التاريخية للجزائر، من بينها أن الرئيس الراحل هواري بومدين هو من أدخل عام 1974 لأول مرة منظمة التحرير الفلسطينية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وألقى الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات حينها خطابه الشهير أمام الجمعة العامة بنيويورك والتي كان قد وصلها على متن طائرة جزائرية وبجواز سفر جزائري، بحسب ما يؤكد الأستاذ صايج.
ولتوسيع دائرة الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية، حرص الرئيس بومدين على تقديم ياسر عرفات للمشاركين في مؤتمر عدم الانحياز الذي احتضنته الجزائر عام 1973. وأعلن الراحل عرفات عن قيام دولة فلسطين من الجزائر عام 1988.
ولا ينسى ضيف “الشعب أونلاين” التذكير بما فعله الراحل بومدين قبيل اندلاع حرب أكتوبر عام 1973، عندما وقّع صكا بقيمة 200 مليون دولار وسلمه للروس، مقابل الأسلحة الموجهة حينها إلى مصر.
“غير قابل للمساومة”
وردا على سؤال بشأن تعليقه على هرولة بعض الدول نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، يؤكد الأستاذ الجامعي أن الجزائر ومنذ اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978، كانت ضمن دول الصمود على غرار العراق واليمن وسوريا.
ورفضت الجزائر ـ يواصل الأستاذ الجامعيي ـ دوما التطبيع على حساب الشعب الفلسطيني، وهي متمسكة بالمبادرة العربية للسلام المطروحة داخل الجامعة العربية، وموافقة على مبدأ حل الدولتين في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ويذهب الأستاذ بكلية العلوم السياسية بالعاصمة، رضوان بوهيدل، في نفس السياق، حيث يركز في حديثه لـ “الشعب أونلاين” على دور الدبلوماسية الجزائرية حيال القضية الفلسطينية، ويعتبرها من الثوابت السيادية للدولة.
ويقول إن الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية “ثابت غير قابل للمساومة وللنقاش والقوى الكبرى تعلم ذلك”، ولا يتغير بتغير التحولات السياسية المحلية أو الإقليمية أو حتى الدولية.
ويؤكد أن الجزائر، سلطة وشعبا ، ترفض التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، مشيرا إلى أن الرئيس عبد المجيد تبون كان قد وصف المطبعين بالمهرولين.
من جهته، يتحدث أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، سفيان صخري، عن ما يعتبره الدعم المطلق الذي تقدمه الجزائر للفلسطينيين ويقول إنها تعمل بعبارة الرئيس الراحل بومدين “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة.”
ويضيف أنه بسبب الدعم الجزائري المطلق، ماديا ومعنويا، لم تضرر القضية الفلسطينية من غياب الدبلوماسية الجزائرية لسنوات عن الساحة الدولية، لظروفها الداخلية.
ومن جهة أخرى، يشير ضيف “الشعب أونلاين” إلى ما اسماه المخطط الخارجي الهادف إلى تحطيم وتدمير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويعتقد بوجود ما يعتبرها ضغوطات واملاءات دولية لإجبار الدول العربية على التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، مشيرا إلى أن آلية التطبيع هي إطار لتدمير المنطقة العربية.
غير أن الأستاذ صخري، يصف موقف الجزائر من التطبيع بالمشرف، لأنها استطاعت أن تصمد في وجه هذا المخطط الخارجي. ويقول “بقاء الجزائر خارج دائرة التطبيع ودعمها المطلق للفلسطينيين هوانجازا لها.”
وردا على سؤال لـ “الشعب أونلاين” بخصوص هامش التحركات التي يمكن للجزائر أن توظفها دوليا لوقف العدوان الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة وفي القدس المحتلة، يوضح صحري أن تأثيرها يمكن أن يكون لدى بعض الحلفاء مثل الصين وروسيا.
أما الأستاذ في معهد العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، أحمد لشهب، فيرى أن بلادنا مرت في السنوات الفارطة بظروف داخلية صعبة، وهو ما أثر على دور الدبلوماسية الجزائرية على مستوى قضايا محورية مثل قضية فلسطين.
ولم يخف الأستاذ الجامعي في حديثه لـ “الشعب أونلاين” سخطه على الموقف العربي حيال القضية الفلسطينية، ويقول “الشر الصهيوني وجد الساحة العربية هادئة ومواتية ومشجعة على السلوكات الإجرامية، غير القانونية وغير الأخلاقية.”
ويصف التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي بـ “الخيانة العربية المطلقة.”
ويتساءل عن سبب غياب أي موقف لجامعة الدول العربية أو لمنظمة التعاون الإسلامي فقد اكتفوا بالشجب والتنديد دون أن يقدموا الدعم المادي والمساعدات لسكان قطاع غزة.
“نظام إمبربالي”
وبشأن خيارات الفلسطينيين في ضوء العدوان المستمر عليهم وصمت المجتمع الدولي، ينتقد ضيفنا بشدة النظام الدولي الحالي، ويقول إن الامبريالية الدولية الأحادية تهيمن عليه.
“الشر الصهيوني وجد الساحة العربية هادئة ومواتية ومشجعة على السلوكات الإجرامية، غير القانونية وغير الأخلاقية.”
ويعتبر أن هذا النظام الامبريالي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى الانقسام الفلسطيني الداخلي فتح المجال لإسرائيل، “كتنظيم فرعي أمريكي مغروس في المنطقة العربية”، لكي تضرب بكل الأعراف الدولية.
ويقول إن حتى الموقف الغربية خاضعة للضغوط الأمريكية، وهو ما لوحظ في دعمها لحكومة بنيامين نتنياهو رغم تقتيله للمدنيين الفلسطينيين.
وينتقد أيضا قرار واشنطن الأخير القاضي، بحسب ما أوردت تقارير إعلامية، بموافقة إدارة جو بايدن على صفقة أسلحة مع إسرائيل بقيمة 735 مليون دولار، “بدل إيقاف الحرب يزود الاحتلال بالسلاح ليضرب المدنيين الفلسطينيين.”
وردا على سؤال بشأن رؤيته لخيار الفلسطينيين ما دامت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منحازة بشكل كبير للطرف الإسرائيلي، يعتقد الأستاذ الجامعي أن الرهان هو على الشعوب العربية، وعلى ضرورة تحرير الأنظمة العربية من النفوذ الإسرائيلي.
ولم يستبعد الأستاذ لشهب أن تعيد إسرائيل احتلال قطاع غزة ووضعه تحت سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية، ويؤكد أن المقاومة الفلسطينية “إما تجبر أو تكسر”.
ويتفق الأساتذة الذين تحدثوا لـ “الشعب أونلاين” على أن المقاومة تعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني، وأنها حققت الرؤية والجهود ووحدت الفلسطينيين، كما أنها استفادت من الثورة الجزائرية.
وعن خيار الفلسطينيين، يستدل الأستاذ صايج بمقولة الزعيم الفلسطيني الراحل من ” أن القضية الفلسطينية مرهونة بالبندقية وغصن الزيتون.”
بينما يرى الأستاذ صخري إن هذه المقاومة نجحت في مجابهة الدعاية الإعلامية والمال الصهيوني، وهو ما ظهر في المظاهرات والتعاطف الدولي مع الفلسطينيين، ويشير إلى أنهم بحاجة إلى الآلة العسكرية وأيضا الآلة الدبلوماسية.
ومن جهته، يقول الأستاذ بوهيدل إن المقاومة أثبتت أنها قادرة على الانتقال من مرحلة الانتفاضة إلى مرحلة الثورة ضد الاحتلال، وقد أخذت بالنمودج الجزائري في الدفاع عن أرضها ” ما يأخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة.”