تتأهّب السّنة الدّراسية كي تقطف ثمرات موسم كامل من جهد التّحصيل في واقع صعب فرضته الجائحة، فقد كان على المتمدرسين أن يلتزموا بمعايير السّلامة، وكان أساتذتهم في مستوى المسؤوليّة التي تحمّلوها صابرين، فأدّوا رسالتهم، وقاموا على واجبهم، ونفعوا، وبلغوا مرحلة القطاف مقتدرين.
ولا ندّعي أن العمليّة التّعليمية عندنا في خير خالص، فالمناهج تحتاج إلى نظر، والوسائل تحتاج إلى دعم، والمنظومة ـ كلها على بعضها ـ تقتضي قراءة معمّقة عاجلة غير آجلة، غير أنّ «الجائحة»، وإن كانت شرّا مستطيرا، فقد حرّكت آلة التّفكير، وفرضت حلولا معقولة لمشكل (الازدحام) في الأقسام، وخفّفت من ثقل المحفظة، ومنحت الأطفال حقهم الشّرعي والتّربوي والتّعليمي في «اللّعب» و»المرح»، بعد تخفيف الحجم السّاعي للدّراسة.. أي نعم، الأطفال نالوا «حقّهم في اللّعب»، فكيف يمكن لهم أن يعيشوا طفولتهم إن لم يلعبوا؟! وكيف يمكن أن ننتظر رجلا راشدا ينتجه طفل لم يعرف الطّفولة؟!
أي نعم.. كورونا شرّ خالص، ولكنها منحتنا فرصة لوضع حلول كانت تبدو مستحيلة، وعلّمتنا أن تجاوز المشاكل التي تواجهنا في الحياة، يمكن أن تذلّل حين ننظر فيها بهدوء ورويّة، ونجعل البحث عن الحلول هدفا نعمل على تحقيقه بما يتوفّر لنا، وليس بما ينبغي أن يتوفّر.. علّمتنا «كورونا» أن القوالب التي توجّه التّفكير، ليست قدرا محتوما؛ لأن هناك ـ على الدّوام ـ طرقا مختلفة لتفكيك العويص من المشاكل، وتتويجها بحلول عمليّة تكون لها ثمراتها..
إن عبقريّة الأمم إنّما تتجلّى في الشّدائد، ولقد عرف الجزائريّون كيف يتعاملون مع شدّة الجائحة، مع فضل لا ننكره للسّلطات على مختلف مستوياتها، وحضور رائع للقطاع الصحي، وإبداع مشهود لمؤطري التربية الذين عرفوا كيف يتخلصون من القوالب الجاهزة، ليتعاملوا مع الأمر الواقع بمنتهى الأناقة..
طبعا، نأمل أن ترفع الجائحة أوزارها، وتخلّصنا من آثارها، ولكن، لو يتواصل الاحتفاظ لأطفالنا بحقهم في الطّفولة، فإنّ «كورونا» تكون قد قدّمت لنا خدمة جليلة رغما عن شرّها المستطير..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.