كانت فكرة تمزيق الكراريس والكتب أمام مدخل المؤسّسة التّعليمية، مع إعلان نهاية السّنة الدّراسية، تتوقّف عند عدد محدود جدّا من التّلاميذ، وهؤلاء، كانوا عادة، من الذين أيقنوا في دواخل نفوسهم، أن مرحلة الدّراسة ليست سوى (عقوبة) سلّطت عليهم؛ لهذا، يتخلّصون مع أوّل (نسمة حرّية!) من كل ما يربطهم بمؤسّساتهم التّعليميّة، فيمارسون «حريّتهم» بمنتهى الفرح، ثمّ يمضون إلى حال سبيلهم «مستبشرين»!.
تغيّرت الحال اليوم، وازينّت بإبداع فائق، فالعدد المحدود، توسّع، فصارت الاحتفالية تجمع المجتهد والكسول، والنّاجح والرّاسب، فأصبحت أوراق الكراريس حدثا مشهودا وهي تتحوّل إلى أكوام تنثرها الريح في كلّ صوب، وليت تتوقّف (الاحتفاليّة) عند هذا الحدّ، فقد اخترع طلبة المتوسّط إضافة هامّة، فلم يكتفوا بالدّفاتر والكتب، وإنّما أضافوا إليها المآزر، ليختموا احتفاليّتهم بمسابقة (التّراشق بالبيض)، فلا ترى سوى المحّ والزّلال يتطايران، والرابح من يصرف أكثر..
لسنا ندري كيف تمرّ هذه الاحتفالية العجيبة كل عام، دون أن تجد من يسائلها، ولا من يستفسر عن أسبابها، ولا حتى من يرغب في فهمها، فهي ظاهرة كمثل كلّ الظّواهر، وهي –كلّها على بعضها- (احتفاليّة واتْفُوتْ).. ثمّ، إنّنا تعوّدنا على (تمرير) «الظّواهر» وتقبّلها، ولم يعد يعنينا الاحتفاء بـ»المحسن»، ولا كفّ يد «المسيء»؛ وعلى هذا، نتقبّل بأريحيّة موكب عرس يسير بسرعة جنونيّة، بينما يتدلّى الأطفال من نوافذ السّيارات، فهذه كذلك (احتفاليّة واتْفُوتْ)، ونتقبّل التّراشق بالشّماريخ؛ لأنها (مقابلة واتْفُوتْ)، ونرضى بشروط (الباركينغور)، لأنها (ركنة واتْفُوتْ)، ونحاول أن نعيش يومنا؛ لأنه، هو الآخر، (يومٌ ويفوت)، وكثيرا ما نقهقه ونشاغب في المقابر، ما دام الأمر متعلّقا بـ (جنازة واتْفُوتْ)..
إن تمزيق الدّفاتر التي تتراكم عند أبواب مؤسسات تّعليمية كل عام، وغيرها من الظواهر المشينة التي تترّسخ بهدوء في يومياتنا، تتحدّث بلهجة فصيحة عن استقالة اجتماعية، قد تكون لها عواقبها الوخيمة
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.