شكّلت حادثة توقيف قادة المرحلة الانتقالية في مالي تحوّلا جديدا في أروقة المشهد السياسي والأمني، ليس في باماكو فقط، بل تجاوز ذلك الحدود نحو دول الجوار لاسيما في منطقة الساحل الإفريقي، التي تمرّ بمرحلة حسّاسة لم تشهدها منذ عقود طويلة، تتزامن وتصاعد نشاط الجماعات الإرهابية وصراع نفوذ القوى الغربية على ثروات المنطقة.
بداية هذه التحولات كانت بإنهاء مرحلة الحكم التقليدية في الجارة النيجر، وانتخاب محمد بازوم رئيسا ذي أصول عربية لأول مرة في تاريخ البلاد، تلاها بعد ذلك اغتيال رئيس تشاد إدريس إيتنو ديبي، الذي حكم هو الآخر البلاد بقبضة من حديد طيلة ثلاثين عاما، ورسم اغتياله سيناريو معقد للغاية في منطقة مشتعلة بنيران الجماعات الإرهابية ويتخوّف إن لم يتمّ تهدئة الأمور أن تكون أفغانستان أفريقيا.
بيد أن ما حدث في مالي لم يكن مفاجئا بالنظر لمعطيات ميدانية ميزتها منذ تشكيل السلطة الانتقالية في أوت الماضي علاقة متوترة بين القادة العسكريين المتمسكين بمقاليد الحكم منذ الإطاحة بالرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا والسلطة الانتقالية بقيادة الرئيس المستقيل العقيد باه نداو، وبالتالي عملية تعثر المرحلة الانتقالية كانت متوقعّة منذ استقالة الحكومة قبل أسبوعين باعتبارها القطرة التي أفاضت الكأس وعجلت بإسقاط رموز المرحلة الانتقالية، إثر تصاعد الخلاف مع الحاكم الفعلي قائد الجيش العقيد أسيمي غويتا، الذي أعلن ترأسه المرحلة الانتقالية لغاية تحديد شخصية سياسية تتولى الحكم في أقرب وقت، مع تمسّكه بتنظيم الانتخابات في 27 فيفري 2022، وفق ما اتفق عليه سابقا.
يبدو أن الطريقة التي تمّ بها توقيف السلطة الانتقالية، كان قد تمّ الترتيب لها مسبقا في “إمارة كاتي”، قبل الإطاحة بالرئيس كيتا، غير أن قادة الجيش لم يستطعوا إقناع الشارع المالي بضرورة تغيير القادة الانتقاليين، وحالة مالي توصف بأنها مرحلة انتقالية تعطّلت فيها مؤسسات الدولة وباتت خيارات البلاد محدودة في ظلّ استبعاد الإرادة الشعبية إلى وقت لاحق!
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.