الثامن والعشرون ماي، تاريخ يصادف من كل سنة الذكرى 63 لملحمة “مرمورة” بضواحي بلدية بوحمدان على بعد 32 كلم غربا من عاصمة ولاية قالمة.
معركة جبل مرمورة هي إحدى أهم المعارك في الولاية الثانية التاريخية، موقعة كان لها أثر كبير على تاريخ منطقة قالمة الثوري، وتداعيات إيجابية على مسار الثورة التحريرية الكبرى من خلال صدى نتائجها التي عَرَّفت أكثر بالقضية الجزائرية دوليًا.
وقد أعطت أيضًا نموذجًا رائعًا في البطولة وقوة الإرادة والعزيمة، التي حضرت في المواجهة غير المتكافئة بين كتيبة لجيش التحرير الوطني والاستعمار الفرنسي المشكل من عدة وحدات عسكرية مدعمة بالقوات الخاصة للمظليين وعتاد حربي ضخم ومتطور.
شهادات حيّة جمعتها “الشعب أونلاين” حول معركة مرمورة بقالمة، أحداث تداولت وقائعها عديد المناطق ودارت حولها الأحاديث بين أفراد العائلات.. وأصبحت أسطورة تروى جيلا بعد جيل..
ورغم تقادم التاريخ ومرور السنين إلا أن سكان المنطقة وضواحيها لم ينسوا تلك الوقائع التي عايشوها، فلا يخلو بيت هنا أو عائلة من مجاهد أو شهيد.
صالح دحمون (سعيد) أحد الشهود الذين عايشو المعركة، وهو قريب البطل الشهيد طاهر دحمون (الذي تجمع الشهادات والروايات على أنه من أسقط مروحية العقيد الفرنسي جون بيار)، يقول عمي صالح أن تلك المعركة التي كانت بمثابة النكسة العظمى للمستدمر الغاشم، والتي تكبَّد فيما خسائر فادحة لم تكن في الحسبان.
يضيف عمي صالح، أن المعركة وقعت في ال28ماي 1958 واستمرّت يومين كاملين، بجبال مرمورة وتحت قيادة مجاهدين بارزين من الولاية التاريخية الثانية، أبرزهم دحمون الطاهر، خليفة ختلة، ومحمد حروشي ، الذين ضحو بالغالي والنفيس على هذه الأرض الطيبة، في معركة طاحنة بين جيش التحرير وقوات الاستعمار الفرنسي.
ويقول عمي صالح (سعيد) إن المعركة عرفت مواجهة بطولية بين نحو 100 مجاهد مقابل أكثر من 7 آلاف جندي فرنسي، معززين بالعتاد والطائرات الحربية، واستشهد فيها العشرات من أبطال ثورة التحرير، في حين قدرت خسائر العدو بنحو 250 قتيلا، منهم العقيد «جان بيار»، الذي أسقط جيش التحرير طائرته وما تزال بقاياها بمكان المعركة، بالإضافة إلى 150 جريحا.
هزيمة نكراء للعقيد “المجرم” جون بيار
تقول شهادات صالح دحمون إن العقيد «جون بيار» الذي طار إلى «مرمورة» يستطلع وضع المعركة الدائرة رحاها هناك، بعد أن أعطى أوامره بإرسال حامية من جنده للقضاء على ثوار جبهة وجيش التحرير المتمركزين بالجبل العتيد، الذين يمثلون واحدة من أهم وأنشط الخلايا الفاعلة في تلك الجهة، يدعمهم بعض المسبلين من أبناء المنطقة، فقد أقسم العقيد جون بيار على أن يسحق الثوار ويقلب منطقة مرمورة على رؤوسهم.
إلا أن الإرادة الفولاذية للرجال وعزيمة الثوار خلال ذلك اليوم، كانت نتيجتها أن حسم السجال القائم بين المجاهدين وقوات الاستعمار بجبل مرمورة الملتهب والعقيد المكسور الجناح مثل الطائر وهو يشوى بنار المعركة التي جاء إليها وهو مغتر بنفسه على متن مروحيته، يعطي الأوامر لعساكره ويأمرهم بالتقدم نحو المجاهدين.. حيث الجحيم ينتظرهم …ولم يكن ذلك العقيد المتكبر يدرك يومها أن سواعد أبناء مرمورة سوف تطاله مع طائرته وتقتنص من معه وترمي بهم في بركان المعركة وهو ما حدث فعلا، إذ لم تهدأ المعركة إلا وقد أتت على العقيد وضباطه وطائرته في يوم مشهود.
تقول شهادات عمي صالح دحمون (سعيد) انتهت المعركة بالقضاء على ضابط سامي بالجيش الفرنسي، وهو العقيد “جون بيار” صاحب السمعة والصيت بمشاركته في حرب فيتنام وتمكنه فيها، إضافة إلى عشرات أفراد الجيش الفرنسي، التي قضت بعد قتال شديد بجبل مرمورة، كشاهد على واحدة من كبرى المعارك بولاية ڨالمة .
يشير عمي صالح”سعيد” إلى أن مهمة المجاهدين “بالمنطقة المحرمة” كانت صعبة، دفعو ثمنا باهظا: “مشاتي أحرقت بالكامل، مئات الضحايا منهم من سقط في جبهات القتال ومنهم من أعدم، نهب للممتلكات وتهجير قسري لبقايا السكان الذين فروا إلى مناطق أخرى بعيدة هروبا من حرب الإبادة التي وصلت إلى حد التطهير العرقي، عندما قرر أحد القيادات الفرنسية بقر بطون النساء الحوامل “لتسلية جنوده وإقامة الرهان بينهم حول جنس الجنين ذكر هو أم أنثى”.
وتشير شهادات تاريخية، أن سكان الركنية وبوحمدان وكافة المنتسبين إلى الأسرة الثورية بڤالمة، يحفظون عن ظهر قلب أبرز محطات شريط المآسي والمجازر الفظيعة التي ارتكبها القائد الفرنسي “لومان” الذي تطوع رفقة العقيد “جون بيار” لتطهير القلعة الحصينة من الثوار والأهالي الواقفين إلى جانبهم.
قالمة ولاية الأبطال كما كانت وستظل في كل مناسبة تخلد تضحيات شهدائها وتتذكر مناطقها، ووديانها، وجبالها وشعابها، خاطة بذلك حروفا ذهبية في تاريخ البلاد، كل هذه المناطق والشواهد النضالية هي اليوم معالم تاريخية، تروي تاريخ قالمة الحافل ببطولات وتضحيات أبنائه، الذين سقطوا في ميدان الوغى في عديد المعارك التي شهدتها المنطقة…