بعد أيام من الانقلاب الذي أطاح بالرئيس الانتقالي ورئيس الوزراء، تظاهر مواطنون في شوارع مالي، وطالبوا برحيل القوات الفرنسية من بلادهم، في مشهد تكرر خلال السنوات الأخيرة في هذا البلد.
المظاهرات التي وصفتها وسائل إعلام بالعفوية، جرت في العاصمة بماكو أمس الجمعة تحت مرأى جنود يوالون السلطة العسكرية التي تتحكم في شؤون الدولة.
وطالب المتظاهرون بالتدخل الروس لحل أزمة مالي المتواصلة منذ عام 2012، ورفعوا الأعلام الروسية إلى جانب الأعلام المالية، بحسب ما ذكرت مصادر إخبارية.
السفير الروسي في بماكو، تلقف رسالة المتظاهرين، حيث خرج إليهم، وطالبهم باحترام الإجراءات الاستثنائية التي يفرضها فيروس كورونا.
وسبق للقوى السياسية في مالي وأن نظمت مظاهرات مناوئة للتواجد العسكري الفرنسي، ففي جانفي من العام الماضي أحرق متظاهرون العلم الفرنسي في ساحة الاستقلال بالعاصمة بماكو. و رفعوا هتافات تقول: “نريد التعاون مع روسيا” و”نريد روسيا”.
ونظمت المظاهرات التي حاولت السلطات حينها منعها بالقوة، تنسيقية منظمات المجتمع المدني وأحزاب سياسية ونشطاء.
فشل وتورط
وتزداد المواقف المناوئة للتواجد الفرنسي في مالي من طرف القوى الشعبية والسياسية، على خلفية ما يعتبرونه فشل باريس في حل أزمتهم السياسية والأمنية، وتورطها في عمليات عسكرية استهدفت المدنيين على غرار ما حدث عام 2020.
ونفذت القوات الفرنسية في يناير 2021 غارة جوية على قرية مالية “بونتي” أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 20 مدنيا خلال حفل زفاف.
وكان موقف باريس من الانقلاب الذي أطاح بالرئيس الانتقالي، باه نداو ورئيس وزراءه، مختار وان، قد أجج مواقف المناوئين للتواجد الفرنسي.
وقد عبر رئيس مالي الجديد، عاصمي غويتا عن مواقف المناوئين، بقوله خلال اجتماعه بالقوى السياسية في القصر الرئاسي: هناك أطراف خارجية تسعى لإدخال البلاد في أزمة مع الجوار الإقليمي، سعيا منها لفرض عقوبات على بلادنا.
وهددت فرنسا في رد فعلها على انقلاب ماي الجاري بفرض عقوبات على مالي، وقالت على لسان الرئيس فرانسوا ماكرون خلال مؤتمر صحفي أعقب الانقلاب “نحن مستعدون لفرض عقوبات محددة الهدف بحق الأطراف المعنيين.”
ووصف ماكرون ما حصل في مالي بأنه “انقلاب داخل انقلاب”، كما دعا إلى جلسة أممية لبحث الأوضاع في هذا البلد.
وبخلاف الموقف الفرنسي، اكتفت الخارجية الروسية بالقول إنها تدرس الوضع في مالي، وأن السفارة الروسية في بماكو على اتصال بجميع الأطراف.
وانتقدت الطبقة السياسية في وقت سابق فرنسا على دعمها القوي لنظام الرئيس المطاح به، إبراهيم بوبكر كيتا الذي راهنت عليه باريس وأبرمت معه اتفاتقية عسكرية، لكن الشعب المالي لم يكن راضيا عليه لعدم قدرته على جلب الاستقرار ومحاربة الفساد.
وتتهم باريس بالفشل في القضاء على المجموعات الإرهابية، وبأنها تستغل تواجدها العسكري هناك من أجل الإبقاء على نفوذها في هذه الدولة واستغلال ثرواتها وخيراتها.
في 2013 صرح الرئيس الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند أن”فرنسا ليس لديها مصلحة في مالي”، لترد عليه صحيفة لوفيغارو : ماذا عن الشركات الفرنسية العاملة في مجالات البترول والغاز واليورانيوم في مالي.. وكتبت الصحيفة أن الذهب هو المعدن الوحيد الذي تصدره هذه الدولة، ثالث أكبر منتج للذهب في أفريقيا.
ويرى مراقبون أن فرنسا التي تدخلت عسكريا في مالي عام 2013 بذريعة مكافحة الإرهاب والتطرف، لم تعد قوة مرغوب فيها من قبل القيادات العسكرية المتحكمة في شؤون هذا البلد.
وتشير تقارير إخبارية أنها تفاجأت في 18 أوث 2020 بالانقلاب الذي أطاح بحليفها إبراهيم بوبكر كيتا. وفي ماي 2021 ، تفاجأت أيضا بالانقلاب على الرئيس الانتقالي ورئيس الوزراء.
ونشرت فرنسا آلاف الجنود سنة 2013، عندما تدخلت لمساعدة الحكومة المالية على استعادة مساحات شاسعة من أراضيها الشمالية من بينها مدن تمبكتو وغاو التي استولى عليها المتطرفون.
منافسة روسية
زيادة على رفض المجتمع المدني والطبقة السياسية في مالي للتواجد الفرنسي، تواجه فرنسا منافسة قوية من قبل روسيا، وباتت تخشى من تقلص نفوذها في مستعمرتها السابقة.
وكان تقرير فرنسي كشف أن روسيا تتغلغل على حساب فرنسا في مالي وأفريقيا الوسطى، وأشار التقرير الذي نشره موقع “موند أفريك” إلى توقيع السلطات الروسية اتفاقا للتعاون الأمني والعسكري مع بماكو في جوان 2019.
ومن جهتها، نقلت صحيفة “أتلايار” الإسبانية العام الماضي أن الوجود العسكري الروسي في مالي بات وشيكا حتى تدعم قوات الأمن والدفاع في حربها ضد الإرهاب في مالي وفي منطقة الساحل.
وترغب موسكو في الاستفادة اقتصاديا وجيوسياسيا من خلال تواجدها في مالي. ووقعت بماكو عام 2016 عقدا مع موسكو لشراء أربع طائرات هليكوبتر حربية، استلمت ما لا يقل عن طائرتي هليكوبتر قتاليتين جديدتين بين 2017 و2019، وذلك وفق ما كشف معهد ستوكهولم لأبحاث السلام.