كشف المأزق السياسي الحالي الذي يتخبّط فيه الكيان الصهيوني عن عمق الصّراع الداخلي، بل أفصح بوضوح عن تملل وتخبّط جيو-إستراتيجي في ظل خيار نتنياهو الملطّخة يداه بدماء أطفال فلسطين، من خلال اقتحام قوات الاحتلال للمسجد الأقصى وتدنيسه، بعد أن كان هدفا تكتيكيا يدخل في إطار مناورة للبحث عن منفذ سياسي مريح للاستمرار في قيادة الحكومة، وتعزيز شعبيته من خلال تجييش اليمين واليمين المتطرّف.
فضلا عن ذلك، فإنّ إعلان عدوان همجي على غزة كان مرحلة ثانية مني فيها المتطرّفون بهزيمة إستراتيجية في ظل عملهم المتكرر على إثارة واستثمار الأزمات للتنفيس عن خناقهم السياسي، خاصة بعد أن فضحهم الرأي العام العالمي، وهو ما أتاح للمقاومة تحقيق نصر تكتيكي، في ظل تحكمها في زمام المبادرة وتحقيقها لتوازن الرعب والصمود وسط فوارق كبيرة في القدرات العسكرية والمالية وقوة الدعم الخارجي للصهاينة.
المتابعون للوضع داخل الكيان الصهيوني، يدركون بلا شك أنهم في حالة تخبط إلى درجة أنّ بعض حلفائهم الطبيعيين أصبحوا في مأزق بالنظر للسجل الإجرامي الذي اهتزّ له العالم، الذي يقود حتما إلى تفعيل دور المحكمة الجنائية الدولية، وفق ما دعا إليه كبار رجال القانون الدولي في العالم. ولم تشفع له تحرّكات حلفائه على مستوى مجلس الأمن الدولي بتعطيل قرار إدانة صريحة لجرائمه التي صنفتها الأمم المتحدة خاصة لجنة حقوق الإنسان جرائم ضد الإنسانية.
يبقى الاحتلال الصهيوني في مواجهة الواقع الثابت منذ ميلاد هذا الكيان الغريب عنوة، وبتآمر من قوى دولية فاعلة غداة الحرب العالمية الثانية، ويتعلق الأمر باغتصاب تلك العصابات الدموية تحت مظلة الانتداب البريطاني، الذي منح بموجب وعد بلفور المشؤوم أرضا لا يملكها لمن لا يستحقها. وبعد عشرات السنين من التقتيل والتهجير والاستيلاء على أراضي الشعب الفلسطيني، أثبتت، اليوم، غزة ومختلف المناطق في الضفة، بأنّ العلاقة بين الإنسان الفلسطيني والأرض علاقة مقدّسة وبادية لا تقطعها حرب عدوانية أو تطمسها اتفاقيات غاشمة.
في الجوهر يتجلّى بوضوح، بأنّ الصّدع الداخلي الذي يعاني منه المجتمع اليهودي، هو “التهديد الوجودي الذي يواجهه الكيان” نفسه.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.