تتصاعد حدّة الحديث عن قيمة «التّسامح» في الأوساط الأدبيّة والنّقدية العربيّة بأسلوب مخيف. فبعد سلسلة من الجوائز، حظيت بها روايات (متسامحة) مع اليهود، انطلقت سلسلة من الملتقيات تبحث في صورة اليهودي بالرواية العربيّة، وهذه روايات تكاد تتّفق – في مجملها – على صورة واحدة لليهودي (اللاّيت)، ما يعني أن النّقاد يستغلون نفس الأدوات المنهجيّة، ولا يغيّرون سوى الدّيكور (شخصيات وأحداث وزمان ومكان… إلخ)، ليتوصّلوا إلى نتائج (مذهلة) تتعلّق كلّها بـ»التّسامح»…
ولا شكّ أن «التّسامح» قيمة عليا عندنا، فنحن نلمسه حيّا في المقولة العظمى: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». وتتواتر صورهُ الرّاقية عبر تاريخنا المجيد حتى تصل إلى الرّوائع التي صاغها مجاهدو ثورتنا التّحريريّة المباركة، وهم الذين ترفّعوا عن حرب الأعزل، ولم يناوئوا مسالما ولا أساؤوا لأسير…
ولا شكّ كذلك، أن مشكلتنا اليوم ليست مع اليهود، ولا علاقة لها بالأديان والعقائد، وإنما هي مشكلة مع الصهيونية التي تقتل النساء والأطفال، وتنتهك الحرمات أمام كاميرات العالم، دون أن تجد من يردعها. فإذا كانت (رواياتنا) الحديثة تفرّق بين اليهودي والصهيوني، فهذا حسن. ولكن، التركيز على صورة اليهودي، في هذه الحال، لا يعبّر عن «التسامح» مطلقا، ذلك أن الظاهر للعيان، هو أنّ سيّدتنا «الرواية» تريد أن تقول لليهوديّ/الصهيوني (احنا ناس املاح)، بينما تغفل الدّراسات عن «صورة العربي» في الرّواية الصّهيونية، وهي صورة كأنها استخرجت من الجحيم، لا ترى في العربي سوى مخرّبا وعدوّا ومجرما، وغيرها من الصّور التي تتواتر في رواياتهم البائسة…
إن موقف الصّهيوني، المجرم الحقيقي، من العربي، نهائي وإطلاقي، ولا ينفع معه أن ترفع الدراسات النّقدية ذكره في رواياتنا، لأن طبيعة الخطاب (النقدي والروائي معا) لا تقترب من «التسامح»، ولا تعبّر عنه، بل لا تشمّ ريحه، وحتى إذا افترضنا فيها حسن النّية، فإننا لا يمكن أن نراها سوى محاولات «استسلام»… وهكذا، لن تختلف – في نظرنا – عن الدّب الذي ضرب صاحبه بحجر كي ينشّ عنه ذبابة…
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.