للمرّة 54 تعود ذكرى النكسة ومعها ذكرى واحدة من أكبر الهزائم العربية أمام الكيان الصهيوني، الذي استطاع في ظرف حرب لم تدم غير ستة أيام احتلال باقي فلسطين (الضفة الغربية وغزة)، وفرض قبضته على مساحات شاسعة من الأرض العربية الممتدة بين مصر وسوريا (سيناء والجولان)، لتكون حرب الاستنزاف الخاطفة التي أرادها العرب معركة حاسمة للثأر لنكبة 1948، حلقة في مسلسل طويل من الحروب والمواجهات المستمرة إلى اليوم بين احتلال مجرم غاصب مسنود بقوى دولية ظالمة، وشعب متشبّث بأرضه ومستعد للتضحية بحياته من أجل استعادتها أو على الأقل الحفاظ على ما تبقى منها إلى أن يحين الظرف ليحررها.
في جوان 1967 كانت هزيمة العرب الكبرى إلى درجة أنهم أصبحوا يؤرّخون لاحتلال فلسطين من هذا التاريخ، ولا يطالبون اليوم إلا باستعادة ما احتلته إسرائيل في أسبوع النكسة الأغبر الأحقر، أما ما اغتصبه «بن غوريون» وعصاباته قبل ذلك، أي في 1948، فقد بات مكسبا للصهاينة وواقعا لا يمكن التفاوض عليه أو المطالبة به، وكل ما أصبح يردّده العرب ويتمنوه من دولة الاحتلال اللاشرعية، هو عودتها إلى حدود ما قبل 4 جوان 1967، وهو اعتراف صريح وواضح بكيانها الغاصب المحصّن بالسلاح، المحمي بالغطرسة الأمريكية، والتواطؤ الأوروبي، والضعف العربي.
ذكرى النّكسة المؤلمة التي نقف عندها اليوم، لا يمكن أن تنسى، باختصار لأنّ آثارها المدمرة مازالت قائمة إلى الآن، حيث فقد الفلسطينيون ما تبقى من أرضهم بعد أن رفضوا قرار التقسيم لسنة 1948، وراحت إسرائيل بعدها تبتلع فلسطين شبرا شبرا من خلال تهجير أصحابها عبر مجازر وحشية ستبقى وصمة عار في جبين الإنسانية، كما استمرت في إقامة المستوطنات التي انتشرت ولا زالت كالفطريات السامة، والعرب يتألّمون دون أن يتمكّنوا من فعل شيء، والعالم الغربي متواطئ إما بالصمت أو بتبرير ومباركة جرائم وانتهاكات الصهاينة، الذين وضعوا أنفسهم فوق القانون والحق والشرعية الدولية النائمة في سبات عميق.
صحيح أنّ الهزيمة كانت كبيرة ووقع النكسة كان شديدا وآثارها بالغة الخطورة، لكن برغم الإخفاق والعجز الذي أبدته الأنظمة العربية وجيوشها في مواجهة إسرائيل، فإن الشعب الفلسطيني لم يستسلم لقدره، ولم يرضخ لجبروت الصهاينة، واستمر طول العقود الماضية كالشوكة المغروسة في قلب كيانهم الغاصب، يرفع لواء المقاومة والصمود والتمسك بقضيته وأرضه، وهو اليوم يعرف كيف يخوض معاركه منفردا لينتصر لا لينهزم كما وقع قبل 54 عاما.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.