في توقيت مدروس، وعبر قنوات إعلامية أحسن اختيارها، نفّذ الرئيس تبون ما يشبه المناورة السياسية والدبلوماسية بالذّخيرة الحيّة، وباستحضار مخلّفات الغبار النّووي العالق في سماء العلاقات الجزائرية الفرنسية، كاختبار أخير لماكرون، وبتسفيه «محترف» لدبلوماسية «الهواة» من المخزن، ذكر الجار والجار الجنب بالمواقف الثابتة التي تعاف المناطق الرمادية، لبلد مالك للقوة وللسيادة، يقول اليوم على لسان رئيسه: نحن من يضع الخطوط الحمر، وسنسحق سياسات الأمر الواقع.
قبل دخول المتنافسين في التشريعيات مرحلة الصمت، خرج رئيس الجمهورية في ثلاث محطات متتالية، بجملة من المواقف الصريحة بشأن ملفات ساخنة في الداخل، وبعض الأزمات المحيطة بالبلاد، بلغة صريحة، وبلهجة عالية النبرة، أثارت حفيظة «الخصوم التقليديين» للجزائر في محيطنا المغاربي والعربي وما وراء البحر، آثر فيها الرئيس الابتعاد عن الصيغ الدبلوماسية، والمداهنات التقليدية التي لم تعد تجدي نفعا مع كثير من شركائنا، وخاض دون تحفظ أو تردد في أغلب القضايا الشائكة: بدءا بتقييم «الحراك المبارك» الذي يقول «إنّه أنقذ الدولة الجزائرية من التفكك» أو من نسخته المصنّعة التي وصفها بـ «المسيرات مجهولة الهوية وغير الموحّدة فكريا لا في المطالب ولا في الشعارات»، وانتهاءً بتجديد المواقف الثابتة للجزائر من القضية الفلسطينية التي «لا تسقط لا بالتقادم ولا بالتخاذل» وقضية الصحراء الغربية، التي قال بشأنها: «أنّ موقف الجزائر ثابت ولم يتغيّر من الصحراء الغربية، ولا نقبل بالأمر الواقع مهما كانت الظروف» قبل أن يكشف عمّا كانت تستعد له الجزائر لو لم تحترم القوى المعتدية على العاصمة الليبية «الخط الأحمر» الذي رسمته الجزائر، مذكّرا «أن الجزائر رفضت أن تكون طرابلس أول عاصمة عربية ومغاربية يحتلها «مرتزقة»، وأنها كانت على استعداد «للتدخل بصفة أو بأخرى لمنع سقوط طرابلس».
نزال غير متكافئ بين المحترفين والهوّاة
في أسبوع حافل بالأحداث، شهد أكثر من مناورة عسكرية، أمنية استخباراتية، دبلوماسية وسياسية على أكثر من صعيد وملف، تحرّكت فيها الجزائر بدبلوماسية ثلاثية الأبعاد ـ كما وصفناها في مقال سابق ـ لتحبط مناورة مغربية أدارها أصحابها بأدوات وبلغة «الهواة» قبل أن ينقلب السّحر على السّاحر، ويصعق الطرف المغربي بنبأ عودة رئيس الجمهورية العربية الصحراوية ابراهيم غالي سالما غانما، ليحظى بزيارة الرئيس تبون محاطا برأس قيادة الجيش، نسفت خطاب «الانتصار» الذي سوّقت له الدوائر الرسمية المغربية كسلعة للاستهلاك الداخلي، بعد أن أدخلها عنادها الأحمق، و»ابتزازها» للشّريك الاسباني بفتح صنبور الهجرة على الثغرين (سبتة ومليلية) أدخلها بعد حين في صراع مفتوح مع الاتحاد الأوروبي، الذي بات يهددها بسلسلة من العقوبات، وبمساءلة سوف يتولاها الأسبوع القادم البرلمان الأوروبي.
خرجة الرئيس رفقة قيادة الجيش، لم تكن بدافع الاستفزاز ـ كما روّج له الإعلام المغربي وبعض القيادات السياسية المخزنية ـ بقدر ما كانت تحمل رسالة واضحة للمغرب ولسلطة المخزن، أنه ما كان للجزائر أن تغامر بإرسال الرئيس إبراهيم غالي إلى إسبانيا لو لم تكن قادرة على إعادته سالما معزّزا مكرّما، بوصفه رئيس دولة جارة، عضو مؤسّس للاتحاد الإفريقي، ما يزال جزءا من أراضيها يخضع لاحتلال دولة جارة، تعاند منذ قرابة خمسة عقود قرارات الشرعية الدولية، تماما مثلما يفعل الكيان الصهيوني.
ولأن الرسالة لم يقرأها كما ينبغي الطرف المغربي «الهاوي»، فقد أعاد الرئيس تذكير المخزن المغربي ومن خلفه بقية الأطراف الشريكة في جريمة الاحتلال «أن موقف الجزائر ثابت ولم يتغير من ملف الصحراء الغربية، ولن نقبل بالأمر الواقع مهما كانت الظروف»، في إشارة إلى ما كان يستقوي به المغرب بعد تغريدة ترامب والتطبيع المغربي مع الكيان الصهيوني، ولم يكن يعني بهذه العبارة المغرب فقط، بل كان أكثر وضوحا في لقائه بأسبوعية «لوبوان» الفرنسية وهو يعقب على تغريدة ترامب قائلا «كيف يعقل أن يمنح لملك بلدا كاملا بشعبه» قبل أن يحكم على هذا الاعتراف بـ «الاعتراف الذي لا يعني شيئا»، وهي رسالة موجهة للإدارة الأمريكية الجديدة، كما لبقية الدول التي قد تنخرط في هذا المسار المعادي للشرعية الدولية.
نفض «الغبار النّووي» العالق في سماء العلاقات الجزائرية الفرنسية
اختيار الرئيس لأسبوعية «لوبوان» الفرنسية اليمينية، ثم لقناة «الجزيرة» القطرية كان مدروسا لإيصال جملة من الرسائل لأكثر من طرف: مغاربي، عربي، وأوربي، وهو على يقين بوصول الرسائل، وليس من الصدفة أن يفرض على الوسيطتين أن يكون محاوروه جزائريين، كما اختير التوقيت الجيد، عقب انتهاء الأزمة التي افتعلها المغرب حول علاج السيد إبراهيم غالي، وانهيار مسار التطبيع المجاني بعد انتصار المقاومة في المواجهة الأخيرة مع الكيان الصهيوني، والأحداث المستجدة في ليبيا ومالي، وفي المقام الأول توقيت اللقاءين عشية موعد الانتخابات التشريعية، وهو يعلم أنها سوف تكون محاور رئيسة للحوارين.
فاللقاء مع أسبوعية «لوبوان» كان فرصة لتفكيك العلاقات الجزائرية الفرنسية، واختبارها على خلفية ملف الذاكرة المعطل، مع منح الأولوية لملف جرائم الحقبة الاستعمارية ومخلفات التجارب النووية، الملف الذي منحه الرئيس الأولوية كاختبار حقيقي للرئيس ماكرون، يحسب له أو عليه، مقدار سيطرته على الدولة العميقة وعلى اللوبيات المعطلة لمسار تطبيع العلاقات بين البلدين.
ومع أن الرئيس تبون استهلّ حديثه بواجب استحضار هادئ لـ «ذاكرة معترف بها» بين الجزائر وفرنسا التي ينبغي أن نبني معها «جسورا» ما دام ماكرون في سدة الحكم، فإن الرئيس تبون لم «ينسج» في المنطقة الرمادية، بل طالب بـ «اعتراف صريح بالوقائع التي حدثت خلال الحقبة الاستعمارية من 1830 وحتى 1962» ليضيف: «علينا الخروج من أسطورة أرض بلا شعب، أو ما يسوق عن استعمار جالب للحضارة»، وفي لفتة تريد تحرير الجيل الفرنسي الحالي من عبء خطيئة الآباء، أضاف الرئيس تبون: «لا نريد محاكمة فرنسا فولتير أو فرنسا الأنوار، بل نريد محاكمة فرنسا الكولونيالية» لكنه لم يعف الجيل الحالي، جيل ماكرون، من واجب «الاعتراف بهذه الوقائع، وإلا كيف يعقل أن يتم الاعتراف بما حصل للأرمن أو لليهود، وتجاهل ما حصل في الجزائر» قبل أن ينتقل إلى ملف التجارب النووية ليضع فرنسا أمام مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية، ويلزمها بواجب «الإسراع في تطهير مواقع التجارب النووية» مستبعدا البعد المالي الجزائي، وتذكير بقايا مجتمع المعمرين بقيم الجزائر: «نحن نحترم شهداءنا بالقدر الذي نعتبر معه أي تعويض مادي معرة وتسفلا، لأننا لسنا شعبا من المتسولين، بل نحن شعب غيور يقدّس شهداءه».
هلع «العلوج» من عودة «رياس البحر»
أسئلة كثيرة طرحت على الرئيس في حوار احتلّ تسع صفحات من أسبوعية «لوبوان» أثارت كثيرا من الأطراف في فرنسا وخارج فرنسا، لم تتردّد بشأنها الدولة العميقة الفرنسية لتعقب عليها بافتتاحية أفردتها يومية «لوموند» في خرجة «خرقت فيها الأعراف الصحفية وأخلاقيات المهنة»، كما قال سفير الجزائر في فرنسا، ربما لأن الرئيس قد فكّك في كل مقطع من مقاطع الاستجواب
«الازدواجية» التي تتعامل بها فرنسا في جميع الملفات الساخنة، سواء في العلاقات الثنائية، أو في أزمات إقليم شمال إفريقيا والساحل، وكان الرئيس أكثر وضوحا في ربط أي تطبيع للعلاقات بين البلدين بملفي الذاكرة والتجارب النووية، وقد حرص في هذا اللقاء، كما في لقائه مع «الجزيرة» على التمييز بين ماكرون واللوبيات الثلاثة التي تعطّل التطبيع، غير أنه أضاف هذه المرة ملف خلاف آخر يعني مباشرة الرئيس ماكرون، في رده على جواب حول العلاقات الجزائرية التركية، وهو يعلم جيدا مقدار العداء الشّخصي بين الرئيسين ماكرون وآردوعان، والحرب المفتوحة بينهما في شرق المتوسط.
ففي رد على سؤال خارج عن سياق المقابلة، سأل عن «تقييم الجزائر للوجود التركي في المنطقة المغاربية»، أجاب الرئيس تبون بكل أريحية على أن «الجزائر غير منزعجة من ذلك»، واصفا العلاقات التي تربط الجزائر بتركيا بـ «الممتازة»، مؤكدًا أن «تركيا دعمت الجزائر دون مقابل»، وأكد أن «الأتراك استثمروا في الجزائر بقيمة 5 مليارات دولار، دون أن يشترطوا أي أمر سياسي»، مضيفا «أما الذين لا يشعرون بالراحة من هذه العلاقات مع تركيا، فليأتوا بمثله «في رسالة غير مشفّرة للشريك الفرنسي الغاضب من هذا التعاون الجزائري التركي، وربما أيضا لبعض الأشقاء في الخليج المنزعجين من هذا التعاون الجزائري التركي المتنامي.
وحتى تفهم هذه الأطراف أن هذا الموقف الجزائري من الحضور التركي مسنود بتعاون متنامي، فقد فاجأهم الرئيس تبون بفعل ملموس على الأرض، بإعادة تنشيط اتفاقية جزائرية تركية تعود لتسعينيات القرن الماضي ، حيث نشر بالجريدة الرسمية في الثالث من هذا الشهر، أي بيوم بعد هذا التصريح نص «اتفاق الملاحة البحرية» بين الجزائر وتركيا كان قد صادق عليها الرئيس في 5 ماي الماضي، وهو الاتفاق الذي أبرم سنة 1998 زمن الرئيس زروال، وعطل تحت ضغوط فرنسية، كانت ترى فيه نواة لقيام صناعة بحرية جزائرية تركية، لم تكن ترغب فيها فرنسا وقتها وهي تقاول لما كان يسمى بـ «الاتحاد المتوسطي»، الذي كانت تراهن عليه لبسط هيمنة عسكرية واقتصادية وسياسية على كامل البحر الأبيض المتوسط.
إعادة تنشيط الاتفاقية البحرية في هذا التوقيت، مع اندلاع حرب مفتوحة على الثروات الغازية في شرق المتوسط، وتوقع تمددها للحوض الغربي، فيه بلا شك ما يقلق فرنسا وأطراف أخرى شريكة في هذه المواجهات، حيث تتجاوز الاتفاقية حدود تنشيط حركة الملاحة البحرية ونقل البضائع بين البلدين، لتشمل طائفة من الأنشطة المشتركة في صيانة وبناء السفن المدنية، وربما حتى العسكرية، كما ذهبت إليه بعض المواقع المهتمة بالشأن العسكري، والتي ذكرت بنوعية الاستثمارات التركية الجزائرية المشتركة: خاصة في مجال الحديد والصلب، والصناعات الإلكترونية والبتروكمياوية، كما ذكرت كيف أن الجزائر لم تنخرط في الحملة التي شنتها فرنسا وبعض حلفائها من الخليج ضد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، وضد الحضور العسكري التركي في غرب ليبيا.
«لومونـد» العريقـة تتحـوّل إلى «حمـالة بزاق» للدولة الفرنسية العميقة
الغضب الفرنسي والمغربي على السواء ممّا جاء في هذا اللقاء مع أسبوعية «لوبوان» من قصف بالذخيرة الحية، وبلغة مباشرة، أسقط فيها الرئيس تبون المناطق الرمادية كما قال لمحاوره من قناة «الجزيرة» صرفه الطرفان الفرنسي والمغربي عبر بعض قنواتهم الإعلامية، كان أعلاها صوتا وصخبا يومية «لوموند» التي سارعت بوحي من «الحناجر العميقة» بقصر الإليزيه، وبعض دوائر الدولة الفرنسية العميقة، إلى تخصيص افتتاحية مطولة للرد على ما جاء في اللقاء الصحفي، خرجت فيه اليومية عن جميع الأعراف والنواميس المهنية، وتكون قد أقضت مضجع مؤسسها الراحل «بوف ميري» كما قال سفير الجزائر في فرنسا.
فتحت عنوان «الجزائر في مأزق تسلّطي»، قالت صحيفة «لوموند» إنّ الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها يوم السبت المقبل في الجزائر تعد موعداً آخر ضائعا للديمقراطية الجزائرية» لتضيف «أنّ حبل المشنقة يخنق تدريجيا رغبة الجزائريين في الديمقراطية…حيث يجد الحراك الشعبي السلمي نفسه في مواجهة قمع هائل غير متناسب» قبل أن تستهدف الرئيس تبون مباشرة بالقول: «اليوم يؤكد الرئيس تبّون، أنه، مثل كل من سبقوه، رجل الجيش، يمارس واقع السلطة من خلال السعي بكافة الوسائل إلى خنق مطالب الشفافية والانفتاح والحريات».
وتسترسل اليومية في رسم لوح قاتم، مشحون بالأحكام القيمية التي تفتقر للدليل، لتدّعي «أن القمع يستهدف الآن الأحزاب السياسية القائمة، مما يثير التساؤل حول مكاسب التعددية الحزبية التي يعود تاريخها إلى عام 1988. ويمكن للسلطة أن تعتمد، بعد الانتخابات التشريعية، على المجموعات السابقة لنظام بوتفليقة، والتي يتم تقديمها الآن على أنها «نواب مستقلون»، وكذلك الاعتماد على إسلاميين مقربين من جماعة الإخوان المسلمين».
غير أن بيت القصيد في الافتتاحية ذهب إلى الموطن الذي يقض اليوم مضاجع ماكرون والدولة العميقة في فرنسا، وأعني به مؤسسة الجيش، التي ادعت بشأنها افتتاحية «لوموند» بما يعادل ما ترفعه اليوم بعض بقايا مسيرات الحراك الذي وصفه الرئيس بـ «مجهول الهوية» فزعمت «أن سيطرة الجيش على السلطة التنفيذية، وافتقار البرلمان لسلطة حقيقة، يسيران جنبًا إلى جنب مع وضع اقتصادي مقلق، في ظل انخفاض أسعار المحروقات، مما يضعف قدرة الدولة على شراء السلم الاجتماعي،، لتبدو الجزائر في تقدير اليومية «وكأنها بلد مغلق».
درس في أخلاقيات المهنة من سفير الجزائر ليومية قامرت بمصداقيتها
رد الفعل الجزائري على فحوى هذه الافتتاحية كان سريعا مهنيا وعاصفا قاصفا، تكفل به سفير الجزائر بفرنسا عنتر داود الذي قال: إن الافتتاحية «يطبعها عداء غير مسبوق إزاء بلدي ومؤسساتها ورموزها»، وبلغة الساخر بالمستوى المهني للافتتاحية أضاف السفير: «الافتتاحية التي حررت من قاعة تحرير باريسية، دون انتظار أن يطلع مبعوثكم الخاص الذي يتأهب للذهاب إلى الجزائر من 8 إلى 14 جوان، على حجم إقبال الشعب الجزائري، أشارت بذاتية غريبة إلى موعد ضائع للديمقراطية الجزائرية» قبل أن يسفه أحلام الكاتب المجهول ويشجب: «الطابع الشائن والعنيف للنص الذي استهدف شخص رئيس الجمهورية والمؤسسة العسكرية».
ويضيف السفير في محاكمة مهنية منهجية لليومية، التي تكون قد طلبت إجراء مقابلة صحفية مع الرئيس بعد الانتخابات التشريعية «يحق للمرء أن يتساءل، بشكل شرعي، عن مقاربة الصحيفة ودوافعها، عندما تسارع إلى إطلاق حكم ذاتي تعتبر فيه «الجزائر في مأزق سلطوي»، وهذا حتى قبل الانتهاء من المقابلة المقرر إجراؤها في الأيام القليلة المقبلة مع رئيس الدولة»، متسائلا «هل تخدم صحيفة «لوموند» المصالح الغامضة للجماعات المناهضة للعلاقة السلمية بين الجزائر وفرنسا؟ مضيفا «السؤال يبقى بلا إجابة».
أسئلة الرئيس تبون التي تربك محمد 6 وماكرون
وفي الجملة ثمّة أسئلة كثيرة تبقى بلا إجابة، من جانب أطراف كثيرة خاطبها الرئيس في اللقاءين مع «لوبوان» و»الجزيرة»، وقد جبن الرئيس ماكرون في أكثر من مناسبة عن الرد على سؤال محوري ظل يطرحه الرئيس تبون على ماكرون بشأن جرأة الرئيس الفرنسي على اقتناص فرصة سانحة للتحرر من اللوبيات الفرنسية، وقد أضاف إليها ما قد يوصف بـ «الطابور الخامس»، ولا يبدو أن ماكرون، المحاصر اليوم بيمين متطرف قد يحرمه من عهدة ثانية، وبقيادات عسكرية انكشارية تهدده بالحرب الأهلية وبالانقلاب البونابارتي، وهو فوق ذلك عالق بأحلام اليقظة تمنيه بإعادة بناء مجد فرنسي متراجع في جميع الساحات، لا يبدو أنه قد أهل لهذا الدور القيادي.
ومثله ليس بوسع القصر الملكي المغربي أن يرد ـ لا اليوم ولا غدا ـ عن أسئلة بسيطة أعاد الرئيس تبون تحريرها في لقائه مع «الجزيرة» أبسطها كان على الإطلاق، هل بوسع القصر الملكي ترك ملف الصحراء الغربية لحكم الشرعية الدولية، ثم يطرح بكل صراحة وجرأة مآخذه على الجزائر إن كانت له مآخذ خارج اتهامه المبتذل للجزائر، بوفائها التقليدي لمبادئها التي تخضع لها جميع مواقفها مع الشقيق والصديق، ومع الحليف والخصم.