ضرب أخماسا في أسداس وهو يتحدث عن “جلسة تعليم خاص” بـ2500 دينار، لابنه الذي يحضر امتحان البكالوريا.
الرجل، الذي يشارف على الستين من العمر، يجد صعوبة في فهم “ظاهرة اجتماعية جديدة”، على رأي مسعود بوديبة، منسق “كنابست”. يحاول تفسير إسراع جار له، وهو أستاذ في ثانوية بالجزائر العاصمة، لكراء محل أو شقة يمكنه “حشر 50 مُقبل على البكالوريا فيها، على الأقل”، حتى يفرك يديه وهو يشاهد “المتعارف عليه”، أي 2500 دينار للحصة الواحدة، يسقط بين يديه، هو الذي يدرس الرياضيات طوال العام، لكنه “لا يحس انه أستاذ رياضيات”، إلا عندما يلتقي التلاميذ في “الدروس الخصوصية”.
مقهى شعبي في العاصمة، غير بعيد عن بورسعيد، ضجّ بحكايته التي شدت الآذان، قبل العيون، إليه.
هي فعلا ظاهرة تتكاثر وتتناسل، بعيدا عن الرقابة، مثلما يقول من سمع الرجل وهو يشكو حاله من “كثرة المصاريف”، واجتهادة حتى ينجح ولده فيما فشل فيه لما كان في مثل سنه.
2500 الى 3000 دينار للحصة
بورصة الدروس الخصوصية، التي بدأت بأرقام بسيطة، مقارنة مع ما يطبق حاليا، كانت حكرا على ميسوري الحال، الذين فضلوا المدارس الخاصة على المدارس العامة، ودفع مبالغ محددة سلفا، حسب كل مدرسة خاصة، منذ أيام مليكة قريفو، أواخر الثمانينات من القرن الماضي.
عندما كان البعض يدفع 5000 دينار قيمة شهر من التعليم الخاص، كانت محتويات المحفظة لا تتجاوز 350 دينار، وعندما قفزت قيمة محتوى محفظة لتلميذ في التعليم الابتدائي، مع ما يتبعها من مستلزمات دراسة، إلى 5000 و10000 دينار، صارت الحصص الخاصة تساوي أو تزيد أجرة إطار، إذا حسبنا حصة خاصة لمقبل على البكالوريا، أي 2500 دينار يوميا، ما يعني 750000 دينار!!
ترويج خاص وتجارة أخص
مطمع الحصول على “مداخيل إضافية” لأساتذة التعليم المتوسط والثانوي، وغيرهم، مثل بعض أساتذة الجامعة، فتح شهية المتخصصين في اقتناص الفرص، من “سماسرة التعليم”، الذين يبدأون مساعيهم بنشر فكرة “إعطاء دروس خصوصية”، في مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها تصيد أساتذة وتلاميذ على حد سواء، وحالات ممن يطرحون محلا للكراء أو شقة ضيقة لم يكن حظها في الكراء قائما، اوانها في منطقة غير مطلوبة في عالم “الكرايين”..
في النصف الثاني من العام الدراسي، يزيد منسوب البحث عن “فضاءات للدروس الخاصة”، تحسبا لامتحاني نهاية التعليم المتوسط والبكالوريا، وتتقاطع الأعين في الفضاء الأزرق على إعلانات في هذا الاتجاه، وأحيانا في صفحات خاصة بالتعليم، وبرامجه، والنقاشات الدائرة بين المنتسبين إليه.
هذا الوضع دفع الأستاذ مصطفى كيحال لقول الآتي: منذ ما يقارب ثلاثة عقود كان الطفل الجزائري، الذي وهبه الله قدرا من الذكاء يجد في المدرسة كل ما يساعده على تنمية وتطوير مواهبه واستعداداته والذهاب بعيدا في التحصيل العلمي، ولكن اليوم مع ظاهرة الدروس الخصوصية انقلبت المعايير فالنجاح والتميز لم يعد من نصيب أصحاب القدرات والمواهب ولكن من نصيب من يملكون المال لتغطية ثمن الدروس الخصوصية الفردية، التي تقدم لتلاميذ متوسطي الذكاء مقابل حشو عقولهم وذاكرتهم بكم معرفي وتقنيات معينة ليتم استرجاعها يوم الامتحان والحصول على معدلات عالية.
للأسف لقد صفى الكثير من رجال التعليم حسابهم -وبدون تعميم- مع ضمائرهم وانخرطوا بشكل غير أخلاقي وغير علمي في معمعة الدروس الخصوصية بدون غاية ما عدا جمع المال، فتجد الواحد منهم لا يقدم في القسم الا القليل من الجهد، ليعوض ذلك مساء في الدروس الخصوصية”.