ذكرى استرجاع السيادة الوطنية على الأبواب ليعود الحديث مجددا عن كتابة التاريخ الذي نعاني من تأخر في إنجازه بحجم الثورة وتضحيات صناعها وكذا موقع التراث الهائل بشواهده في إنعاش جانب من السياحة المعطلة، ليس بسبب كوفيد وإنما أيضا لعوامل عدة عنوانها «غياب رؤية» بتوجهات تقاوم التغيرات مهما كانت.
مواقع لمعارك مشهود لها على امتداد الجغرافيا الوطنية ومراكز للتعذيب مارس فيها عسكر الاحتلال الفرنسي أبشع الجرائم ضد الإنسانية وخطّا شال وموريس الجهنميان اللذان أسقط أبطال جيش التحرير ومناضلو جبهة التحرير أكذوبته، تستحق أن يُنفض الغبار عنها، ليس بإدخالها في متاحف «مغلقة» أو تسييجها بعقلية بيروقراطية مهما كان الأمر ضروريا، لتتحول إلى منابر مُتعدّدة الوظائف، تاريخية بامتياز واقتصادية مطلوبة، ليستمر مفعول الرسالة العابرة للأجيال.
يبقى التاريخ ملتصقا بمسار الوطن، فارضا نفسه وله كل الشرعية في ذلك. كيف لا وقد كتب الدم والمعاناة من طرف جيل فريد من نوعه أعاد تجميع الإرادة الوطنية فصاغ ورقة طريق الخلاص من مخالب استعمار بشع اشتغل على تدمير الأرض والإنسان عقيدته الأرض المحروقة، التي انبتت جيلا أعاد تصحيح مسار بدأ مع أول معركة لمجابهة جيوش الغزو الفرنسي في 1830 واستمر مع مختلف الانتفاضات والثورات الشعبية لتمتزج في النهاية ضمن ثورة أول نوفمبر، حملها المخلصون على مرّ السنوات.
إن ظهور أصوات هجينة ناعقة تقدح في بعض الرموز، دليل على أن قوى الاستعمار التقليدي لا تيأس في البحث عن حركى جدد يؤدون المهمة القذرة في زمن حرية التعبير والمناخ الديمقراطي، رصيد حملته تلك الثورة برجالها ونسائها، كل على قدر ما استطاع، لتكتمل حلقات مسار السيادة الوطنية، مهمة لن تنتهي في مواجهة الردة وقوى الاستعمار الجديد.
الموعد في الذكرى 59 لاسترجاع السيادة الوطنية مع الذاكرة من موقعها الرمز في حياة المجتمع، تقف حارسا يوقظ الضمائر ويشحذ الهمم في وجه أزمات تمر بها شعوب وتعترض أمما، لا ينبغي أن تكون مطية لردة أو تنكر أو عقوق، ذلك أن القاسم المشترك الذي تتوارثه الأجيال هو السيادة بمفهومها الواسع، يحتضن الاختلاف ويحول التنوع إلى قيمة مضافة.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.