في اليوم العالمي للاجئين، يحاول الصحراويون التأقلم مع الأوضاع الجديدة التي فُرضت عليهم، محلياً، إقليمياً وعالمياً.
عاد دوي آلة الحرب للمنطقة مرة أخرى بعد 30 سنة من الصمت، لم تكن معضلة الصحراويين الوحيدة، فتحالف المغرب وتطبيعه مع كيانات تُكنُّ العداء لدول المنطقة يوحي بأن حرب الصحراء الغربية باتت أقرب الى حرب إقليمية تهدد استقرار المنطقة وشعوبها.
في يوم اللاجئ العالمي، يواصل المواطن الصحراوي في المخيمات كفاحه على جبهات عديدة، فعودة الكفاح المسلح للمنطقة شهر نوفمبر من السنة الماضية ليست التحدي الوحيد المطروح أمامه، فتفشي وباء كورونا في المخيمات واستمرار تسجيل ضحايا جدد بسبب الألغام الأرضية والقنابل العنقودية، هي تحديات لم تثن عزيمة الصحراويين ولم تقلص سقف تطلعاتهم لنيل الحرية والاستقلال.
لم تكن مخيمات اللاجئين الصحراويين بمنأى عن تفشي وباء كورونا، فالمنطقة التي شهدت موجتي انتشار، آخرها شهر مارس الفارط، تأثرت بشكل كبير بفعل الوضع الوبائي، ما دفع بالسلطات الصحراوية الى اتباع مجموعة من الاجراءات والتدابير الاحترازية لوقف انتشار الوباء بين الصحراويين.
تسعى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمكتبها الفرعي بتندوف بالتعاون مع شركائها من المنظمات الأممية الأخرى الى التخفيف من الآثار المترتبة عن جائحة كورونا والتقليل من تداعياتها السلبية على مخيمات اللاجئين الصحراويين، فالجائحة التي ضربت المخيمات بقوة، شكّلت عبئاً ثقيلاً على المجتمع الصحراوي فرضت عليه اتباع نمط حياة جديد تطلّب معه توخي أقصى درجات الحيطة والحذر.
أوضح عبد الحليم عثمان علي الفكي، المدير الفرعي للمفوضية، أن الوكالة تواصل بجهد توفير المواد الضرورية لمخيمات اللاجئين الصحراويين، إضافة الى المحافظة على سيرورة كل الأنشطة الأساسية وتوفير جميع الخدمات القاعدية والحيوية لفائدة الصحراويين.
أبرز المتحدث في لقاء خاص أن المفوضية أبلغت اللاجئين الصحراويين والشركاء والجهات المعنية بأن كل الزيارات والمهام غير الاساسية داخل المخيمات يجب تأجيلها الى إشعار آخر بسبب الموجة الثانية من (كوفيد-19) والتي بدأت نهاية شهر مارس الماضي في المخيمات، مؤكداً أن المفوضية قد واصلت إمداد المواد الحيوية والأساسية وتقديم الدعم الانساني الأساسي لحياة اللاجئين.
في معرض رد على سؤال حول واقع مخيمات اللاجئين الصحراويين، أكد عبد الحليم الفكي أن الصراع الأخير بالمنطقة شهر نوفمبر من السنة الماضية تسبب في نزوح 4749 مواطناً صحراوياً من الأراضي الصحراوية، الواقعة شرق الجدار باتجاه المخيمات بولاية تندوف، هذا الوضع الطارئ –يقول المتحدث- دفع المفوضية، بالتنسيق مع برنامج الغذاء العالمي واليونيسيف، الى إجراء تقييم سريع لتحديد احتياجات الصحراويين النازحين من الغذاء، المأوى، الرعاية لصحية وغيرها من الاحتياجات الضرورية.
وأردف المتحدث قائلا إن النازحين الصحراويين تم إدراجهم على الفور في برنامج الاستجابة والإعانة التي تقدمها المفوضية، في حين فرّ البعض الآخر الى داخل التراب الموريتاني أو حول حدود موريتانيا، كما أفاد به بعض الصحراويين النازحين ممن تم استجوابهم، وهي مناطق خارج تفويض المكتب الفرعي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتندوف.
أشاد المدير الفرعي لمفوضية شؤون اللاجئين بالنظام الصحي للاجئين الصحراويين، مبرزاً جهود المنظمة في التوجيه الفني والتقني الضروري وزيادة الوعي حول الوقاية من (كوفيد-19)، نتج عنه تكوين وتدريب 15 طبيباً و15 ممرضاً متمرساً في مخيمات اللاجئين الصحراويين على إدارة واكتشاف حالات الاصابة بكوفيد-19.
عطلة في الجحيم
يضطر آلاف الأطفال الصحراويين هذه السنة، وللمرة الثانية على التوالي، الى قضاء عطلهم في المخيمات وسط ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، بسبب تعليق العمل ببرنامج “عطل في سلام”، الذي كانت تُشرف على تنظيمه الحكومة الصحراوية كل صائفة بالتعاون مع منظمات صداقة أوربية.
البرنامج يستفيد منه آلاف الأطفال كل عام ويُمَكنهم من قضاء فترة اصطياف تمتد في بعض الأحيان الى شهرين في بعض الدول الأوربية، توقف العمل به منذ تفشي وباء كورونا وتعليق رحلات النقل الجوي من والى أوربا، ما فتح أبواب الجحيم في المخيمات، ضحيته الأولى آلاف الأطفال ممن تقل أعمارهم عن 13 سنة، باتوا اليوم مضطرين الى قضاء فصل الصيف في الخيم تحت درجات حرارة تفوق الـ50 درجة مئوية في غياب أي نوع من أنواع الترفيه.
تبنت الحكومة الصحراوية ممثلة في وزارة الشباب والرياضة السنة الماضية مبادرة رفقة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة اليونيسيف بهدف إيجاد بديل لبرنامج “عطل في سلام” يكون متنفساً للأطفال الصحراويين، ويخفف عنهم جزءً من قساوة حياة اللجوء، فسارعت الى استحداث “البرنامج البديل” الذي يضم نشاطات ترفيهية ورياضية في المخيمات بالتعاون مع بعض منظمات الصداقة بأروبا.
زراعة الموت
سارع المغرب فور وقف إطلاق النار في الصحراء الغربية سنة 1991 الى بناء جدار أمني من الشمال الى الجنوب بطول 2700 كلم يقسم الصحراء وشعبها الى قسمين، قسم محرر وقسم محتل، الجدار الأمني الذي أُنجز بدعم ومباركة دول غربية يتكون من 06 خطوط دفاعية كان هدفها وضع حد لأي تقدم مباغت أنداك لمقاتلي جبهة البوليساريو.
جدار العار، لا يزال يحصد عشرات الضحايا من الصحراويين كل عام، فالألغام المزروعة على طول الجدار العار بلغت حسب التقديرات أزيد من 07 ملاين لغم أرضي، يضاف لها 12 ألف لغم قام المغرب بزراعته على طول جدار استحدثه مؤخراً يربط بين الجدار القديم والحدود الموريتانية على الجانب المحاذي لمنطقة الكركرات على مسافة 05 كلم، ليحول الصحراء الغربية من المناطق العشرة الأكثر تلوثاً في العالم.
تحصي الجمعية الصحراوية لضحايا الألغام الكائن مقرها بمخيمات اللاجئين الصحراويين أزيد من 1700 جريح ضحية الالغام الارضية والقنابل العنقودية المزروعة في أراضي الصحراء الغربية، واستقبلت الجمعية ملفات 400 ضحية ألغام من الشطر المحتل من الصحراء الغربية، دون وجود إحصائيات محددة لعدد القتلى الى حد الساعة.
أوضح عزيز حيدار رئيس الجمعية الصحراوية لضحايا الألغام أن التقديرات الأولية تشير الى وجود 2500 ضحية بين قتيل وجريح، وهي أرقام غير دقيقة بسبب ارتفاع عدد ضحايا الالغام في الشطر المحتل من الصحراء الغربية وغياب آلية واضحة لإحصاء الضحايا من الصحراويين في المدن المحتلة.
عزيز حيدار، أحد ضحايا هذه الألغام، خسر كلتا ساقيه وذراعه الايمن بعدما انفجر عليه لغم أرضي في منطقة يقطنها مدنيون، يروي جانباً من يوميات المواطنين الصحراويين مع الألغام الأرضية في الأراضي الصحراوية المحررة.
يقول حيدار أن أغلب حالات الإصابة يتكفل الجيش الصحراوي بنقلها مئات الكيلومترات باتجاه المخيمات، في حين تتكفل الاطقم الصحية الصحراوية بنقله الى مستشفى تندوف إذا كانت الحالة حرجة أو الى مستشفيات الجزائر العاصمة في حالة الخطورة.
قال عزيز حيدار إن أولى المساعدات الموجهة لضحايا الألغام في الصحراء الغربية كانت من الجزائر، التي دعمت الجمعية بالأعضاء الاصطناعية مجاناً بتقصرين، قبل أن يساهم الصليب الاحمر بإنشاء ورشة خاصة بصناعة الأطراف الاصطناعية بالمخيمات، موضحاً أن الجمعية تتكفل بالضحايا مادياً ومعنوياً بإدماجهم في حياة جديدة، وتحصي حوالي 80 تعاونية تم إنشاؤها منذ سنة 2017 لفائدة ضحايا الألغام.
وأضاف رئيس الجمعية الصحراوية لضحايا الألغام أن المغرب زرع الألغام الأرضية بطريقة عشوائية في أغلب الأراضي المرتفعة، ويزداد خطرها في مواسم الفيضانات، حيث تنتقل هذه الألغام بفعل السيول الجارفة الى الأراضي المأهولة بالسكان لتوقع بذلك المزيد من الضحايا من سكان الأراضي المحررة بما فيهم الاطفال.
يواصل المغرب رفض التوقيع على اتفاقية أوتوا لحظر استعمال أو تخزين أو إنتاج أو نقل الألغام المضادة للأشخاص، واتفاقية أوسلو لحظر القنابل العنقودية، ما يُبقي الباب مفتوحاً أمامه لحصد المزيد من أرواح الصحراويين العزل القاطنين على جانبي جدار العار، رغم النداءات المتكررة التي وجهتها الجمعية الصحراوية لضحايا الألغام والعديد من المنظمات الحقوقية لحث المغرب على التوقيع على هذه المعاهدات.
بخلاف المغرب، سارعت الجمهورية الصحراوية الى توقيع اتفاقية أوتوا عن طريق نداء جنيف، واستكملت التزامها القانوني بتفجير مخزونها من الألغام على 06 مراحل وتخلصت بشكل نهائي من الألغام.
اليوم، يتوجه الصحراويون بنداء الى المجتمع الدولي والهيئات الأممية من أجل ممارسة المزيد من الضغط على المملكة المغربية لتقديم خرائط دقيقة للمناطق الملوثة والعمل على تنظيفها وإزالة كل الألغام الموجودة على مسافة 2700 كلم، في حين تطالب الجمعية الصحراوية لضحايا الالغام بضرورة إزالة الجدار بشكل نهائي باعتباره “عمل غير إنساني” يهدد حياة الصحراويين العزل وتطهير كل المناطق الملوثة.
صور معبرة..