تتوسع ظاهرة الإشهار والتسويق الإلكتروني لمنتجات وأجهزة طبية تحمل صفات دوائية، بشكل متزايدا وتعرف إقبالا متناميا..
الظاهرة وبالرغم من حداثتها بالجزائر وغياب الترسانة القانونية المؤطرة لهذا النشاط التجاري، المخالف للأنظمة والتشريعات السارية. تتزايد وتشد الأنظار إليها.
وتروج الكثير من الشركات المحلية والخارجية لمنتجاتها بالإنترنت والقنوات التلفزيونية، لاسيما المنشطات والمكملات الغذائية ومسكنات الآلام، وأدوية نزلات البرد والسعال والحساسية، والأجهزة والمستلزمات الطبية، وغيرها من المنتجات التي يكثر عليها.
“الشعب أونلاين” استطلعت آراء مختصين وعاملين في قطاع الأدوية بوهران، حول هذه الظاهرة وأخطارها على الصحة.
الصيادلة يتحدثون عن تسويق دون فواتير أو ترخيص رسمية
أكد الصيادلة حاورهم موقع “الشعب أونلاين” حول هذا الموضوع بوسط المدينة، أن مجالات التجميل والمنتجات، والخدمات الصحية والدوائية، هي التي تشد الأنظار على الانترنيت، رغم أنّها تسوّق دون فواتير رسمية أو ترخيص من قبل وزارة الصحة.
وقال متحدوثون لـ”الشعب أونلاين” إنّ عددا كبيرا من تلك الأصناف، يُجهل مصدرها أو آثارها الجانبية الخطيرة التي قد تودي بمستخدميها إلى الوفاة.
وقال البعض إنّ غالبية الصيدليات تبيع منتجات غير منصوص عليها في القائمة الوطنية للأدوية، ولا تدخل ضمن نشاطهم الرسمي.
وألح هؤلاء على ضرورة مراجعة قائمة المنتجات المحددة للصيدليات، مع تقنين هذه المواد لأنها “منتجات شبه طبية”، حتى لا يضطر المستهلك إلى اقتنائها من أي محل.
وبالتالي تفادي الوقوع في شباك مواد مقلدة، في إشارة إلى منشطات ومكملات غذائية ومواد تجميل، وبعض المنتوجات الغذائية الخاصة بالرضع والأطفال.
ويتخوف هؤلاء المختصين من خطر كبير تمثله الأدوية المقلدة، والمغشوشة المستوردة، خاصة من الصين والهند وتركيا والأردن وتونس والمغرب وبعض دول الخليجية.
ويحذرون في الوقت نفسه من اقتناء المنتجات العلاجية المقترحة للبيع خارج شبكات الاستيراد وتوزيع الدواء الرسمية.
ولم يتوان محدثينا في دق ناقوس الخطر، بسبب فوضى في القطاع، تسمح بتسرب مثل هذه الأدوية المقلدة إلى المستهلك، وحمّلوا الجميع مسؤولية محاربة هذه الظاهرة، لاسيما المستهلك باعتباره الحلقة الأساسية في المعادلة.
رئيس مصلحة الوقاية: الإعلانات الدوائية إشهارية تجارية
وبخصوص انتشـار الإعلانات الدوائية الموجّهة مباشرة للمستهلك عبر القنوات التلفزيونية، اعتبر الدكتور بوخاري يوسف، رئيس مصلحة الوقاية والمكلف بالإعلام لدى مديرية الصحة والسكان بنفس الولاية، أنّ “الغرض منها إشهاري، تجاري، ويتم تسويقها على أنها مكملات غذائية، وتركيبات طبيعية، من دون آثار جانبية لجذب الانتباه”.
وأوضح بوخاري أنّها “تعرض للبيع، كعلاج سحري للعديد من الأمراض المستعصية، مثل السكري والعقم والسمنة والآلام المزمنة وغيرها، باستعمال وسائل التأثير على المستهلك، ولاسيما الفئات المستهدفة من المرضى، والمتأزمين صحيا ونفسيا، دون الاتصال بالوصاية، لكونها غير مرخصة، وتحتوي على معلومات مضللة…”
إفتقار إلى الثقافة الصحية
وأضاف المسؤول الطبي أن “أغلب هذه التركيبات التي تشمل كل أنواع الأدوية، بدءا بالبسيطة إلى المضادات الحيوية وأدوية السرطان وضغط الدم، وغيرها، مصدرها دول ليس لديها ثقافة صحية كبيرة، وعلوم صحية كبيرة، وخاصة الآسيوية والإفريقية.
وشدّد محدّثنا على أنها “جريمة في حق البشر، تستدعي تضافر جهود كل الوزارات المعنية من أجل ضبط هذا النشاط، ولاسيما الصحة والتجارة والجمارك والبيئة والمصالح الأمنية المختصة”.
مطلوب أخصائيين في علم التسمم وصناعة الأدوية
وذكر أنّ مديرية الصحة لوهران دقت ناقوس الخطر في سنة 2019، مع التوسع الكبير لهذه التجارة، لاسيما المنشطات الجنسية.
وقال إن المديرية تقدمت بمقترح خاص لتوظيف صيادلة أخصائيين في علم التسممات، وصناعة الأدوية، لكن هذا البرامج، شهد تماطلا، بسبب جائحة كرونا.
حالات تسمم بمواد استهلاكية غريبة
وحسب المصدر، تستقبل مستشفيات وهران أعدادا متزايدة لحالات التسمم بمواد استهلاكية غريبة عن تركيبة المنتجات بالسوق الجزائرية، وعادة ما يكون تسممهم ناتجا عن تناول الأدوية أو مستحضرات بمكونات مجهولة تحت غطاءات مختلفة.
وأكّد أن التحاليل الصيدلانية لهذه المواد، خاصة المكملات الغذائية والمنشطاتال جنسية، تكشف احتوائها هرمونات وتركيبات خاصة بالحيوانات، للتسمين السريع وزيادة الإنتاج.
وأوضح أن متوسط عمر هذا النوع من الكائنات الحية قصير، وفي حالة إصابتها بمرض تذبح وتتلف، عكس الإنسان، الذي يصاب بمضاعفات صحية وأمراض خطيرة، تهدد حياته.
ارتفاع نسبة الإصابة بالتوحد وأكثر من 25 حالة قصور كلوي يوميا
تكشف معطيات إحصائية خاصة بنفس المديرية عن ارتفاع خطير في نسبة المصابين بالتوحد في 2019، أغلبهم تسبب فيها أولياء، استعملوا أدوية لتقوية الإباضة وعلاج حالات تأخر الإنجاب عند النساء وزيادة الخصوبة عند الرجال.
وتؤكد نفس المعطيات تسجيل 20 إلى 25 حالة قصور كلوي يوميا، خاصة لدى الفئة الصغيرة، بعدما كان معدل العمر في السنوات الماضية بين 60 و65 سنة، على غرار السكري والسرطانات وغيرها من الأمراض المزمنة والخطيرة.
وأرجع رئيس مصلحة الوقاية تنامي ظاهرة بيع الأدوية والعقاقير خارج القانون، سواء في الأسواق أو عبر الإنترنت والقنوات التلفزيونية، إلى الإقبال المتزايد عليها، داعيا في الختام إلى التحرك العاجل من أجل وضح حد لهذه الظاهرة، التي تتعارض مع ﺍﻟﻘﻭﺍﻨﻴﻥ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺴﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﺸﺭﻴﻌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ تحكم القطاع.
سليم عريوة: المشرّع الجزائري تنبه لذلك
من جهته، اعتبر المكلف بالإعلام بأمن ولاية وهران، سليم عريوة، أن “المشرّع الجزائري، تفطّن لمثل هذه الظواهر منذ مدة طويلة؛ حيث سمح للجهات الأمنية بالتفتيش الإلكتروني للأجهزة الإلكترونية للمستخدم، بما فيها الهاتف واللوحة الرقمية، أو الكمبيوتر، وهو ما سمح بتحقيق نتائج كبيرة للكشف عن خيوط شبكات إجرامية، وحجز كميات معتبرة من المنتجات المغشوشة والمقلدة، ومنها العطور ومستحضرات التجميل والأكسيسوارات، والعقاقير الطبية”.
محجوزات متزايدة من الأدوية المؤثرة
وأشار المتحدث إلى المحجوزات المتزايدة من الأقراص وبعض الأدوية ذات الخصائص المؤثرة غير المصنفة ضمن المؤثرات العقلية والمهلوسات، على غرار أقراص «ترامادول” و”ليريكا” المعروفة في الوسط الشعبي باسم “الصاروخ” وغيرها من الأصناف التي يعاقب عليها قانون الصحة في حالة استعمالها بدون رخصة
ومن القضايا التي أحدثت ضجة إعلامية السنة المنصرمة، أشار مصدرنا إلى قضية عالجتها فصيلة المساس بالممتلكات بالفرقة الجنائية التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية والتي تمكنت تفكيك ورشتين سريتين مختصتين في صناعة المواد الصيدلانية والمكملات.
وتوصلت التحقيقات إلى أنّ المخبرين السريين ينشطان من دون سجل تجاري، ولا حتى رخصة في مجال صناعة المكملات الغذائية، المعروفة وسط الرياضيين باسم megamasse، باستعمال مواد غذائية منتهية الصلاحية خاصة بالرضع.
وحجزت المصالح نفسها نهاية السنة المنصرمة 2020 مواد تجميل منتهية الصلاحية في 2015 تباع في 2020، إضافة إلى الكشف عن مستودع سري لصناعة الجل المائي الكحولي المعقم لليدين باستخدام جيل منتهي الصلاحية مخصص للشعر، وعطور، وذلك خلال فترة تفشي جائحة “كرونا”.
وفي الختام، ثمّن سليم عريوة جهود المديرية في مكافحة الجرائم الإلكترونية التي اتخذت أشكالا مختلفة، في خضم التحديات والتهديدات الهائلة التي تتربص بأمن الوطن والمواطن، في إشارة إلى مصالح تم استحداثها لمسايرة التطور التكنولوجي المتنامي، منها فرقة مكافحة الجريمة الإلكترونية وفرقة البحث والتدخل والمخبر الجهوي للشرطة العلمية، وغيرها من الوسائل والأدوات المختصة في مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي.
دعوة إلى التبليغ
ودعا المتحدث المواطنين إلى التحلي بروح المسؤولية والتبليغ عن قضايا النصب والاحتيال والمساس بالأشخاص عبر الأنترنيت، وغيرها من أشكال الجرائم الإلكترونية التي تعرف ارتفاعا غير مسبوق بالجزائر، معتبرا أنهم “ساس الأمن، والقاعدة الرئيسية في مواجهة التهديدات والمخاطر المتعددة”.