الذاكرة بوصلة الأجيال، قناعة تتأكد، اليوم، مع الذكرى 59 لاسترجاع السيادة الوطنية التي تتجدّد معها رابطة تواصل الأجيال، قلبها النابض قيمة الوفاء.
هذا اليوم الرمز، يمثل صلب القواسم المشتركة التي يتقاسمها الشعب الجزائري، منذ ملحمة ثورة أول نوفمبر، يجدّد مع كل موعد أو تحدّ قيمة الوفاء، لتعزيز المناعة الجماعية في مواجهة تحديات منها ما يستهدف مكسب السيادة.
طبيعي أنّ ما يتصدر المشهد الراهن، في موعد يصنّف فوق كل الاعتبارات التي تقتضيها التحوّلات وتحملها التطلعات، هو الخلفية التي ترسمها الذاكرة، بكل رصيدها المتداخل، تعكسه بطولات وتضحيات ومعاناة تحمّلها جيل أول نوفمبر، استمدّ قوّته من ماض عريق كتبته مقاومات شعبية رُدّ الاعتبار لقادتها باسترجاع الجماجم لتبقى فوق الرؤوس عنانا للانتماء إلى وطن غال وشعب فريد لا يقايض ولا يستكين.
اليوم مثل الأمس، بالعزيمة نفسها والإصرار ذاته تتواصل فصول تلك الملحمة، التي أثارت إعجاب شعوب وأنارت لأخرى طريق الحرية، لإنجاز المحتوى الشامل لمكسب السيادة والحفاظ على ما تحقق بالعرق والجهد، وهي مهمة يتناولها الشباب في حقول العلم والبناء والدفاع عن حرمة حدود رُويت بدماء أبطال هبّوا حينها لتحرير بني جلدتهم دون مقايضة أو حتى سؤال، شعارهم كل شيء يهون من أجل الوطن وشعبه.
هذه الجزئية الثمينة النابعة من جينات الجزائريين، هي التي تغذي قيمة الوفاء، وهي التي تمكن من تجاوز كل الصعاب والتحديات مهما عظُمت، ذلك أنّ أكبر تحدّ رفعه الأسلاف كان استرجاع الوطن المسلوب، وانتشال الإنسان الجزائري من مخالب استدمار فرنسي استعمل يائسا أساليب من قاموس النازية للتعذيب والإبادة، ناهيك عن سرقة الثروات وغيرها ممّا تحفظه الذاكرة.
موازاة مع بقايا الفكر الكولونيالي وقوى الاستعمار الجديد، تكاد تكون المعركة نفسها اليوم لكن مع عدو آخر، يتمثل في الفساد وضعف وازع الثقة إلى جانب مخلفات مرحلة سابقة استهدفت المواطن في جوهره من خلال تدمير روابط الانتماء إلى خطاب كارثي يثبط من عزيمة الشباب إلى الترويج لأوهام، سرعان ما تدارك أمرها «الحراك» الشعبي في انطلاقته الأصيلة، معلنا منذ البداية لون انتمائه النوفمبري، ومؤكدا أنّ الشعب هو السيّد على أرض الجزائر، ومجدّدا جسور التواصل مع العمود الفقري للبلاد، الجيش الوطني الشعبي عبر الرابطة جيش أمة.
كل هذا الرصيد الذي يوفر المناعة حتى في أشد الفترات، وكم واجه منها الشعب الجزائري محبطا مؤامرات ومتصديا لمخططات، يمكن أن يعطي القوة الدافعة لإنجاز الوثبة أمام أزمة اقتصادية وصحية تعطل من سرعة الوتيرة المطلوبة، والتموقع في الفضاء الحيوي الاقتصادي والأمني بأبعاده الإستراتيجية مثلما تصيغها الإرادة الوطنية، لتستمر رسالة الشهداء.
النصر كان استقلالا، والاستقلال ينبغي أن يكون مؤسسات قوية، مؤسسات قادرة على حماية عوامل قوة البلاد وترقيتها، ذلك ممكن فقط في دولة قوية متمسكة بقوة بمثل نوفمبر وبدولة العدل والحق دولة الاستقلال والسيادة الكاملة، إنه مسار بدأ، اليوم، بعد زمن من التيه، لاستكمال تجسيد المشروع الوطني في كل أبعاده، إنّه مسار الوفاء والأوفياء.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.