«لمّا كانت الحروب تبدأ في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السّلام»، بهذه العبارة الشّهيرة يبدأ ميثاق اليونيسكو، هذه الأخيرة تعتبر إحدى أبرز الوكالات المتخصّصة التّابعة للأمم المتحدة، وهي كغيرها من الوكالات، تبقى تابعة في تمويلها للدّول الأعضاء، لا سيما الدّول الكبرى في صورة الولايات المتحدة التي تساهم بحوالي 22 %، أي بخمس ميزانية اليونيسكو، ناهيك عن مساعدات مالية تحصل عليها المنظّمة من أمريكا وحلفائها خارج اشتراكاتها السّنوية.
إلاّ أنّ هذا لم يؤثّر بتاتا على نشاط اليونيسكو، ولعل ما يؤكّد ذلك هو القرارات التاريخية التي اتّخذتها المنظّمة بشأن قضية «فلسطين»، أبرزها منح العضوية الكاملة في اليونيسكو ابتداءً من أكتوبر 2011، ثم تلاها قرار تصنيف الأقصى كتراث إسلامي خالص، نافية بذلك الادّعاءات اليهودية بالقدس الشّريف، إضافة إلى قرارات موبّخة للكيان المحتل، وتخدم القضية الفلسطينية العادلة.
لكن هذه القرارات لم تمر بردا وسلاما على «اليونيسكو»، إذ قوبلت بالرّفض والتّنديد والاستنكار من قبل الولايات المتّحدة الأمريكية والكيان الصّهيوني، ولم تكتف بذلك بل صعّدت اللّهجة مع «المنظّمة» بتوقّفها عن دفع اشتراكاتها المالية السّنوية، والتهديد بالانسحاب بصفة نهائية، غير أنّ ردة فعل اليونيسكو كانت أقوى بالرغم من فقدانها حوالي ربع ميزانياتها (الولايات المتحدة 22 %)، إذ جمّدت حق بلاد العم سام والكيان المحتل لفلسطين في التّصويت، ويدل هذا الموقف على فعالية واستقلالية قرارات منظمة اليونيسكو.
يبدو أنّه وعلى الرغم من انتقادات شديدة طالت اليونيسكو من طرف أهم مموّليها على رأسهم الولايات المتّحدة، والتي وصلت إلى حد قطع تمويلها للمنظّمة، وإن كان هذا التّصرّف قد أثّر على المنظّمة ماليا، إلاّ أنّ ذلك لم يؤثّر بتاتا على فعالية نشاطها. كان هذا في عهد البلغارية «ماريا بوكوفا»، ما يعطي بارقة أمل في الاتّكال على هذه الأطر، لكن السّؤال المطروح هل ستستمر اليونيسكو في نسج تلك الصورة الجميلة عن مواقفها لا سيما إذا علمنا أنّ الرّئيسة الحالية أودري أزولاي هي فرنسية من أصول يهودية؟
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.