تداولت مختلف مواقع التواصل الاجتماعي صور شباب حملوا على أكتافهم مجرفة وفي قلوبهم وطن متوجّهون إلى غابات محترقة من أجل إطفاء نارها، لتتجسد المسؤولية المجتمعية في أسمى تجلياتها، فلم ينتظروا قدوم الحماية المدنية ولا حراس الغابات لإخماد النيران بل لعبوا على فارق الزمن لأن النار لا تنتظر قدوم أحد حتى تأتي على الأخضر واليابس.
أما صور التضامن الشعبي في حادث المرور القاتل بولاية قسنطينة فهي تصريح ضمني بوجود تكافل اجتماعي حتى وإن كرّر المختصون في علم الاجتماع بوجود «شرخ» كسر العلاقات وهدم العائلات، فالأكيد أن الأسر الجزائرية تتخبّط في علاقاتها لكن المعدن الأصيل الذي «لا يزول ولا يحول» يُبقي على بذرة خير في أعماق كل واحد منا في حالة انتظار متى أمطر القلب حبا وأملا نمت وترعرعت، ليعود الفرد إلى «منبته» الطيب.
كثيرا ما يكون الوطن سكناً روحيا يعطي صاحبه القوة لقلب صفحة الماضي والمضي نحو المستقبل بخطى ثابتة وعزيمة قوية، فالصدمات التاريخية التي كُسرت على صخرة الوطن أعطت المجتمع مناعة «وطنية» حتى وإن تلاعب البعض بمشاعر الضعفاء وقليلي الحيلة، يعود أغلبهم إلى مسكنهم الروحي غير مبالين بالإغراءات التي غالبا ما تكون مادية.
حرائق الأوراس الأشم اشتعلت نارها وزاد لهيبها في قلوب الجزائريين لأنها أبانت عن حقد دفين تغذيه كراهية لا مبرر لها، لأنها أرض رويت أشجارها، ترابها، ورمالها بدماء شهداء كانت تلك الأشجار غطاءهم الساتر عن أعين العدو وطائراته، تلك الأشجار كانت أحد الأسلحة الخفية التي منحتها الأرض للمجاهدين من أجل أن تصنع فارقا في خططهم الحربية، لذلك ارتبطت حقبة المحتل منذ أن وطئت أقدامه أرض الجزائر بسياسة «الأرض المحروقة».
مثلما كانت بالأمس القريب والبعيد لعبت الشجرة رمز النماء والحياة دورا مهما في صناعة أجيال آمنوا بأنها عطية الله لهم ليتمسكوا بالأرض رغم حروب الإبادة، فرمزية حرق الغابات أكبر بكثير من بعدها البيئي لأنها هبة الأرض وأثر الأصل وعطاء الحياة عندما يجود الله تعالى على عباده بالرضى والخير.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.