«الوباء كالنار وأنتم وقودها، فتفرقوا حتى لا تجد النار ما يشعلها فتنطفئ»، هذه مقولة قالها عمرو بن العاص لأهل الشام عند الطاعون، وما أشبه الأمس باليوم فالتباعد الاجتماعي والجسدي حاليا من أهم الإجراءات الوقائية للحدّ من العدوى، لكننا كمجتمع بالرغم من النفاق الاجتماعي الذي نعيشه نقيس الحب بطول المسافة بين الشخص والآخر، فلا يمكن مثلا وصف لقاء عائلي بالحميمي دون أحضان لأن العقل الجمعي لا يعترف بالتباعد الجسدي كوسيلة لتوطيد العلاقات العائلية.
أيعقل ذلك ونحن مجتمع، ترك فيه الابن والديه المسنين بلا كفيل ومعين في مرحلة وهن فيها جسدهما وأصبحا ملازمين لأمراض سكنت أجسادهما حتى ضعفا، والسبب طبعا زوجة استولت على زوجها ليكون ملكيتها الخاصة حتى وصل بالبعض إلى أن يلّقب بلقب زوجته للتعبير عن انصياعه وخنوعه لها، نحن اليوم أمام تحدّ بناء مجتمع واع لا يجادل جدال السفهاء والجهلة من الناس.
فبين من يحدّد أعراض الفيروس حسب هواه وبين من يضع توصيات الأطباء محل تساؤل وبين من ينشر ثقافة الدجل والشعوذة، يجب علينا اتخاذ قرارا صارما في ابعاد عقلية «الهف» و»التفاهة» وتسفيه الخبراء، لأننا أمام خطر حقيقي حتى وإن وُجد اللقاح، لأنه وسيلة إن لم تجد من يستعملها لن تكون لها فعالية في أي شيء.
فإن كان عمرو بن العاص وهو الذي لم يعرف شيئا مما نعيشه من تطوّر، قد أوصى بالتباعد الجسدي مشبها الأجساد بالحطب والوباء بالنار، علينا نحن في القرن الـ 21 أن نرحم عقولنا من التسفيه والاستغباء، حتى لا نصبح طرفا إضافيا في معادلة انتشار العدوى، هذه السلسلة التي ترفض الانكسار، بل ظهرت متينة ومتماسكة والسبب ليس لأنها قوية بل هو التراخي والاستهتار.
حالة اللاوعي التي نعيشها هي بمثابة الشرارة التي ستشعل لهيب نار مستعرة لن يكون «اللقاح» كافيا لإطفائها، علينا أن نعي أننا على شفا حفرة الكارثة إن لم نأخذ بزمام الأمور لنتحمل مسؤوليتنا الاجتماعية كاملة اتجاه الوضع الوبائي في الجزائر، خاصة وأن النتائج السلبية لاختبارات كوفيد-19 قد تعطي وهما كاذبا بخلو الجسد من الفيروس، ما يزيد من خطر تفشي العدوى في المجتمع.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.