المجتمعات لا تصلح بدون قيادة، والناس يكونون في حالة فوضى بدون أن تكون لهم نخبة حكيمة، ولكن في ذات الوقت يكون فسادهم أكثر، إذا تولى أمرهم عديم الخبرة والضمير، وهذا حال الكثير من البلدان العربية في وقتنا الراهن، بعدما أصابها وهن في كل مناحي الحياة، ولا مناص من الأزمات إذا استمر الحال على حاله.
في لبنان، يبدو أنّ الأزمة السياسية لا تتعلق أساسا بالانقسام السياسي فقط، ولكنها نتيجة تراكمات قديمة أوصلت البلد إلى هذا الوضع السياسي والاقتصادي الصّعب، نتائجه وخيمة على الشّعب اللبناني على المدى الطويل، لكن ذلك لا يعني في الوقت ذاته أنّ الحلول مؤجّلة والانفراج بعيد، فالمعروف أن اشتداد الأزمات دليل على بداية نهايتها، وهو ما قد يحدث في بلد الأرز.
تكشف الأزمة اللبنانية السياسية عقب إعلان الحريري فشله في تشكيل الحكومة عن تأثير المصالح الشخصية والانتماء الطّائفي على وحدة الوطن وتماسكه إذا لم تكن هناك تنازلات في الأفق القريب.
بيد أنّ هذا الواقع سيقود لبنان إلى سيناريوهات ستكون أقل حدة، فمن المنتظر أن يدعو الرئيس عون الكتل النيابية إلى استشارات وبنتيجتها تسمي كل كتلة شخصية ما لتشكيل الحكومة، فيكلّف رئيس الجمهورية الشخصية التي حصلت على أكبر عدد من الأصوات بتشكيل الحكومة.
قانونيا يبدو الأمر بسيطا لكن سياسيا هو شديد التعقيد، حيث لا مهلة أمام الرئيس للدعوة للاستشارات، وعادة تتم الدعوة بعد أن تكون القوى السياسية قد اتّفقت خارج المؤسّسات على اسم معين، أو على الأقل علمت الكتل بمواقف بعضها البعض واتّفقت على تنظيم الخلاف ووضع الخطوط الحمراء، إذ لا مهلة أمام الرئيس المكلّف ليشكل الحكومة.
بغياب التوافق المسبق، وبغياب المهل، لن تولد حكومة جديدة في الأفق المنظور، وسيستمر رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بتصريف الأعمال. ويبقى احتمال الذّهاب إلى ما يسمى بحكومة أكثرية نيابية، أي أن يبادر من يملك الأكثرية النيابية إلى تسمية شخصية دون الحصول على موافقة سائر الكتل (الأقلية)، التي يمكنها بكل بساطة أن تتحوّل إلى معارضة برلمانية إلى أن تتغير المعادلة في انتخابات جديدة.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.