مرة أخرى وبعد المواسم والأعياد، أصبحت جائحة كوفيد-19 سببا مهما لتحقيق الربح السريع، وبعد أن «تربّح» التجار من السلع والمواد الغذائية والكمامات والسائل الكحولي المعقم، أصبح الأوكسجين اليوم أحد أهم انتعاش هذه «التجارة» التي عجّت بها مواقع التواصل الاجتماعي أين تجد عناوين وأرقام هواتف لكل طالب لقارورة أوكسجين يخفف بها ألم عزيز سكن «الفيروس اللعين» قصيباته الهوائية.
كشفت قارورة الاوكسجين رغم الجهود التي تقوم بها الدولة من أجل تغطية الطلب الكبير عليها بسبب التصاعد الجنوني لمنحنى الإصابات الجديدة بالفيروس وسلالته المتحوّرة، هوة أخلاقية ترجمتها سلوكيات غير أخلاقية لا ترتبط بـ»الفعل المخل بالحياء»، بل بـ»الفعل المخل بالإنسانية»، فعندما تتحوّل مآسي الناس إلى سلع تباع وتشترى يستوجب دق ناقوس الخطر لأن المجتمع مهدّد بالانهيار تماما ليكون قانون «الغاب» هو أساس العلاقة بين أفراده، لتصبح «الداروينية» مسيطرة على تعاملاته الإنسانية بـ»البقاء للأقوى».
الأقوى هنا لن يكون سوى مالك لمال أو سلاح أو نفوذ أما دون ذلك فيصنفون في قائمة «الضعفاء» الخاضعون لقانون القوي، لذلك كان استغلال قارورة الأوكسجين للتربح صورة واضحة عن تحوّل الانسان عندنا في السنوات الأخيرة، إلى مجرد صفر يسار الرصيد البنكي للتاجر أو المتطفلين على اقتصاد الأعمال والمال.
الغريب أن هؤلاء «المتربحون» يربطون أعمالهم بأزمات المواطن ونوعية السلع التي يقبل عليها في كل موسم، فمن الأدوات المدرسية إلى قارورات الغاز في الشتاء إلى السلع الاستهلاكية والملابس إلى الاضاحي إلى الكمامات وكل ما تعلّق بالأزمة الصحية الاستثنائية، واليوم يتاجر هؤلاء عديمي الضمير بـ»الاوكسجين» معلنين أن الموت لن يقف حائلا أمام اغتنام فرصة ذهبية هي «اختناق المرضى وحاجتهم الملحة لقارورة أوكسجين».
المعادلة الإنسانية وكل قوانينها تنهار أمام جشع لا يضاهيه شيء لتكشف عن تهلهل البناء المجتمعي، معلنة على ضرورة البحث عن سبب ركون الانسان إلى مصلحة شخصية يحققها على جثث الموتى وأجسام المرضى وعائلات ثكلى تبكي عزيزا وقع ضحية فيروس شديد العدوى وابتزاز من يتقنون الرقص على مآسي الناس وآلامهم.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.