منذ ما يزيد عن سنة ونصف ونحن نعيش تجربة مريرة صنع فيها الابتزاز والاستغلال أبشع صور يمكن رؤيتها لأناس اختاروا أن يكونوا من مضاربي الموت في عز أزمة صحية لا أحد في منأى من الإصابة بالعدوى، فلا المال ولا الجاه ولا البروج العالية ولا الجسد القوي تستطيع مقاومة فيروس مجهري أو إبعاده.
مضاربو الموت استنفذوا طاقة «الشيطان» ليسرقوا حقّ الحياة ممن تغلغل الفيروس إلى قصباتهم الهوائية، وأقسموا ألا يسمحوا لقارورات الاوكسجين بالخروج إلى المرضى إلا بأثمان مضاعفة، هؤلاء «شياطين» يتربحون من تجارة في سوق الموت، في تضارب صارخ مع القانون الإنساني والرباني، ضاربين عرض الحائط كل معاني التضامن بين أفراد المجتمع الواحد، متناسين إننا كلٌ متكامل.
غالبا ما يكون الموت رادعا للإنسان بل سببا لرجوعه الى جادة الصواب، لكنه مع مضاربي الموت أصبح مجرد رقم صحيح في معادلة الربح والخسارة، فلا يهمّ خسارة المرء لضميره وإنسانيته، لأن الأهم ما سيحققه من أرباح مادية ترتفع به إلى مصاف أصحاب الملايين والملايير، لذلك ستكون جرعة الاوكسجين التي يموت بسببها المرضى «السلعة» الثمينة في زمن كورونا.
زمن أماط اللثام عن جنس بشري متوحش متعطش لرائحة الموت لأنها طريقه إلى السيطرة والتملك، بل يستجمع قوته ونفوذه من ضعف وصرخات الاحتضار التي تملأ المستشفيات والمنازل، في صورة مقيتة عن تحالف الشر بين الإنسان والشيطان، فكيف لهؤلاء ان ينسلخوا من إنسانيتهم فقط من اجل دنانير مهما كان عددها وهم يعلمون علم اليقين أن الواحد منهم مهما بلغ من الكبر سيموت ويتركها خلفه فلا الكفن له جيوب يحمله فيها ولا القبر فيه خزائن يضعها داخلها.
لا أدري من أي طينة هؤلاء الذين يبتزون من تُضيِّق كورونا على أنفاسهم ويستغلون حاجتهم إلى غاز يتنفسونه مجانا كعطية ربانية، لم نعرف قيمتها إلا بعد أن عجز أعزاءنا وأحبابنا عن تنفسه إلا بمساعدة آلة تكثيف الاوكسيجين، الغاز الحيوي، الذي يصنع فارق الأيام القادمة بسبب مضاربي الموت، الذين فضّلوا بعد المواد الاستهلاكية المضاربة في «سوق الموت».