مخطّطها غير واضح المعالم، أروقتها لا حصر لها، صفحاتها تجاوزت المليار، لونها الأزرق غلاف مخادع يرمي بالمعجب به إلى متاهة من دخلها لا يجد فيها طريق العودة ولا بوابة الخروج، حتى مخرج الطوارئ منعدم فيها، لذلك كان على الوالج إليها التحصّن بأدوات معنوية وحقائق علمية ليمنع تحوّله إلى مجرد لعبة «خشبية» تتحكم بها «خيوط» أخبار تتدفق بسرعة ضوئية تجاوزت حدود التحقق من صدقها أو كذبها.
في حين اعتمدت المتاهة في مختلف العصور من الفرعوني إلى العصور الوسطى كفخ ومكان يصعب فيه إيجاد مخرج بسبب نظام من المسارات المتشابكة والمراحل الانتقالية. نحن اليوم أمام متاهة سلبت العقول وأصبحت بمثابة مثلث «برمودا» أين تسقط الأقنعة وتتيه المشاعر لتختلط على صاحبها حتى يفقد توازنه العاطفي والعقلي، ما يدخله في حالة ذهول نفسي غالبا ما تكون مهمة تجاوزها صعبة إن لم نقل شبه مستحيلة.
متاهة الفضاء الأزرق أعطت الأزمة الصحية في الجزائر أذرعا كثيرة وامتداد كبيرا، أدخلت المواطن في حالة «تشبع» بل استدعت إصابته بـ»تخمة» الأخبار عرضه على مختص للتخلص من كل تلك «السموم» الإخبارية، حتى تستقر حالته النفسية علّه يستعيد القدرة على فرز الأخبار «الفايسبوكية»، وبالتالي يمكنه الخروج من هذه المتاهة التي تكاد تكون أعجوبة الألفية الثالثة بلا منازع، فقد أصبحت فخا رقميا يفقد البلدان استقرارها والشعوب انتمائها.
الأصعب أن يدخل أغلب متصفحي الفضاء الأزرق مجردين من سلاح الوعي والفكر اللذين يشكلان درعا واقيا من تأثير الكم الهائل من الأخبار والإشاعات الكاذبة، لأنهما يمنحان الوالج إليها القدرة على التمييز بين المعلومة الصحيحة وتلك التي يُراد من ورائها تسميم العقول لتحقيق أغراض مدمرة على المجتمع والجزائر ككل، في حرب غير معلنة أقوى أسلحتها الفتاكة سذاجة رقمية واستخفافا بعدو أبان عن أنيابه المخضبة بدماء أبرياء صدقوا كذبة أفريل.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.