عادة ما نقرأ، هنا وهناك، أخبارا تتعلّق بـ»التّحسيس» بمخاطر الفيروس اللّعين الذي اجتاح العالم، وعادة يقوم على هذا الواجب متطوعون وطّنوا في قلوبهم خدمة الناس، وجعلوا العمل الخيري أولويتهم الأولى، يتسابقون في مضاميره، فهم يسارعون في الخيرات، ويحرصون على النفع كمثل ما يحرصون على أبنائهم..
ومع ما نقرّ به لهؤلاء الصّالحين من فضل، ينبغي كذلك أن نسجّل بأنّ كثيرا من العوام لا يسهّلون مهمّة المصلحين، وإنّما يفرضون عليهم من المتاعب أنواعا، ومن الصّعوبات ألوانا. فالمفترض، أن موجة الجائحة الثالثة، قدّمت كل أسباب «الإحساس»، ومثّلت كل ملامح الخطر، ولم تترك حجّة لمن يعتقد في نفسه بأنه (يفهم أكثر من النّاس)، ويرى بأن «كوفيد» مجرد أسطورة، أو يراه خرافة صاغها بعض المخادعين كي يفرضوا عليه الكمامة، ثم يبيعونها له، ويحققون الأرباح على حسابه!!..
وواضح أن هذه التخريجة العجيبة، وأمثالها التي سمعناها منذ بدأت الجائحة، إنّما تكبر في قلوب بعض الذين يحسّون في أنفسهم القدرة على «تحليل» (الشّاردة والواردة)، وهؤلاء يخوضون في كلّ علم، ويفهمون!! في كل فنّ، وترى الواحد منهم (يفسبك) منشورا، فيتحول إلى صحافي عميد، و(يُتوْتك) أي كلام، فيصبح رجل دراما، ويتابع مباراة، فيصبح (غوارديولا)، وقد يشاهد لقطة من (جيراسيك بارك)، فتنتفخ أوداجه مثل ديناصور؛ ولهذا، يكون طبيعيا جدّا حين يتعامل مع أخبار الجائحة، فتحوّله إلى طبيب تارة، وتجعل منه محللا سياسيّا دوليا تارة أخرى، وقد تمسخه، فتجعل منه عشّابا، أو طبيبا بديلا!!، ثم تتحرّك آليات التأويل في دماغه، فـ(يبدع) من الأعاجيب، ويصطنع من الأعاجيب ما يعجز عنه ألو الألباب..
ليس مستغربا إذن، أن نكون في خضمّ الموجة الثالثة من الجائحة، ومع هذا، ما يزال الصالحون صابرين على مصاعب مرحلة «التحسيس».. الله يكون في العون..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.