اللّهجة الواثقة التي اعتمدها وزير المجاهدين في حديثه عن «ضرورة استرجاع كلّ التراث التاريخي والثّقافي الجزائري من الخارج»، لا تترك مجالا للشّك بأنّ العمل على ملفّ الذّاكرة يتمّ بشكل جديّ، وهو يحمل رسائل واضحة إلى الأطراف التي (استولت) على المآثر الجزائرية، ولم ترحم جثث الشهداء، فمثّلت بها وحرمتها حتى من الحق الذي يعترف به البشر جميعا في تكريم الموتى..
ولقد تعوّد الفرنسيون – بصفة خاصة – على المماطلة، بل تعوّدوا على إبداء كثير من «الحمق» في تبرير مماطلتهم، وأيّ حمق أكبر من الادّعاء بأن جثامين الشهداء الجزائريين تخضع لقوانين تخصّ المتاحف تارة، أو القول بأنّ الجثامين تمثل مواضيع دراسات أنثروبولوجية تارة أخرى!!
هل يعقل – في العالم القديم والحديث معا – أن يقتل أحدُهم إنساناً، ثم يحتفظ بجثته لأنّه ديمقراطي (بسلامتو) ولا يتدخّل في شؤون المتاحف؟! أليس المعقول هو أن القاتل مجرم، وينبغي – على أقل تقدير – أن يدفع دية القتيل لأهله؟! ثم، كيف يكون العمل الإجرامي موضوعا للفرجة في المتاحف؟! هل يزداد الفرنسيون ثقافة ووعيا برؤية جماجم الجزائريين؟!..
وفوق هذا، كيف يمكن لجثمان شهيد اغتيل في نهاية القرن التاسع عشر أن يكون موضوع درس أنثروبولوجي؟! هل تغيّرت مورفولوجية الإنسان إلى هذه الدّرجة في قرن وبعض قرن؟! أم أنّ الفرنسي الذي يدّعي أنه مبدع العلوم الإنسانية، لا يعرف بأن «الحمق» يتأصّل في الدّماغ، ويتحوّل إلى مكوّن رئيسي فيه، حين يصرّ على التحجّج بما لا يقبله العقل؟!
إن احتفاظ المتاحف الفرنسية بجثامين الشهداء الجزائريين، هو جريمة في حقّ الإنسانية، ولا تختلف الحال مع كل الأعمال الفنيّة، أو المصنوعات التي استولت عليها فرنسا الاستعمارية، وهذا وضع ينبغي أن يعالجه الطرف الفرنسي نفسه، فهو المتضرّر الأكبر منه؛ ذلك أنّنا – في هذا الموضوع – يدنا العليا، وشهداؤنا أحياء عند ربهم يرزقون، وليسوا أمواتا كمثل الضمير الفرنسي..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.