بالرغم من محاولة الحكومة المغربية، نفي استعمال المخابرات برمجيات “بيغاسوس” للتجسس على الصحافيين والحقوقيين والسياسيين، لكن الكل في المملكة يدرك أن “من يغرد خارج السرب تصبح حياته الشخصية مستهدفة”.
هذا أكدته الصحفية المغربية، هاجر الريسوني، واستدلت بما حدث مع الصحفيين سليمان الريسوني وعمر الراضي والمؤرخ معطي منجب.
وأوضحت هاجر الريسوني، إبنة شقيق الصحفي المغربي المعتقل، سليمان الريسوني، في مقال روت فيه قصة اختراق هاتفها، حمل عنوان “يوم تنصتت علينا دولة المغرب”، أن “كل شخص يغرد خارج سرب النظام المغربي، فإن المخابرات المغربية تبحث له عن عثرة للإيقاع به، وإن لم يجدوها يختلقونها، ثم يطلقون إعلامهم ليتوعد ويجهز الرأي العام للاعتقال والتنكيل بالهدف”.
وأضافت “هذا ما حدث مع الصحافيين سليمان الريسوني وعمر الراضي والمؤرخ معطي منجب، فبعد حملة تشهير واسعة والتنبؤ بالاعتقال اعتقلوا في التواريخ ذاتها التي سطرتها هذه الماكينات الإعلامية”.
وقالت الصحفية المغربية إنها “لم تتفاجأ” عندما تواصلت معها منظمة “فوربيدن ستوري”، لتخبرها أن أرقام هاتفها وهاتف زوجها الحقوقي السوداني، رفعت الأمين، “مراقبان من قبل البوليس السياسي المغربي، وأنها وردت من لائحة أرقام مسربة كانت هدفا لتطبيق التجسس الاسرائيلي “بيغاسوس”.
وأردفت: “كنت أعلم أن هاتفي كان مراقبا، وأن البوليس السياسي في المغرب يراقب كل تحركاتنا وأنفاسنا حتى بعدما غادرنا المغرب”.
يخبرونني أشياء عني لا يمكن أن يعرفها أي أحد
وروت هاجر الريسوني لحظات عاشتها عند اعتقالها في 2019، مؤكدة أنه عند التحقيق معها من طرف أشخاص لا تعرف الجهة التي يمثلونها لحدود الساعة “كانوا يخبرونني أشياء عني لا يمكن أن يعرفها أي أحد، إلا إذا كان يشاركني يومياتي لحظة بلحظة، الشيء ذاته حصل مع زوجي الذي سألوه عن علاقاته بأشخاص، وعن أحداث معينة لا يمكن أن يعرف بها إلا من يراقب كل تحركاتك ومكالماتك”.
وأشارت المتحدثة الى أن “التجسس والمراقبة لم يتوقفا بعدما خرجنا من السجن، بل زاد الأمر إلى مضايقات في الشارع ومراقبة البيت، وفي بعض الأحيان ما نتحدث عنه في البيت أو في الهاتف نجده منشورا في صحافة التشهير القريبة من السلطة”.
وزاد الوضع حدة، حسب هاجر الريسوني، بعد اعتقال عمها سليمان الريسوني، رئيس تحرير الجريدة التي كانت تعمل فيها “أخبار اليوم”، الأمر الذي دفع بها وبزوجها، حسبها، الا اتخاذ قرار مغادرة المغرب.
وفي السياق، تواصل الريسوني قائلة: “قرار المغادرة الذي اتخذناه لم يرق هذه البنية، فرفضوا منحي الإذن الاستثنائي للخروج من المغرب، والرسالة التي وصلتني يمشي هو وتبقى هي”.
وتأسفت الصحفية المغربية، لاستمرار حملات التشهير بها وبعائلتها كلما نشرت مقالاً أو كتبت تدوينات عن الانتهاكات الحقوقية في المملكة المغربية، رغم مغادرتها البلاد.
مناعة ضد التشهير
وأضافت “فيما كانت السلطات تحاول أن تصور نفسها في صورة الدولة المدافعة عن حقوق النساء، فإن هذه المواقع والجرائد حاولت تشويه سمعتي كامرأة، ولأننا نعيش في مجتمع محافظ، فأسهل طريق لقتل أي امرأة رمزيا هو السمعة”.
وقالت الصحفية: “بعد ما عشته من مآسٍ وصدمات، اكتسبت مناعة ضد كل الأكاذيب والتشهير والتلفيق، أصبحت أملك القدرة على المواجهة والوقوف ضد كل حملات التشويه التي تخوضها هذه البنية بالاستعانة بإعلامها والذباب الإلكتروني الذي تدفع له من جيوب المغاربة لمحاربة المغاربة”.
وكشف تحقيق دولي أن المغرب، من أكثر الدول التي أنفقت بسخاء لشراء برمجيات “إن أس أو” الاسرائيلي للتجسس على ما يزيد عن عشرة آلاف رقم من بينها هواتف لعدد من الصحافيين والناشطين الذين يقبعون في السجون الآن بالمملكة.
وأكد التحقيق الذي نشرته جريدة “لوموند” الفرنسية وعدة وسائل اعلام ومواقع الكترونية عالمية، أن ما يزيد عن أكثر من 10 آلاف رقم حاول التنصت عليهم مشغل تابع لدولة المغرب التي اشترت برنامج التجسس “بيغاسوس” من شركة “إن أس أو” التابعة للكيان الصهيوني، بحسب تسريبات حصلت عليها مؤسسة “فوربيدن ستوريز” وشاركتها مع موقع “درج” و16 مؤسسة إعلامية أخرى في سياق مشروع “بيغاسوس”.
وبعد نحو 10 سنوات من تأسيس شركة “إن أس أو” صاحبة برنامج “بيغاسوس”، كشف التقارير انه تم تسريب ثلاثة عقود بين الشركة ودول أخرى لشراء برنامج “بيغاسوس”، وكل عقد مختلف تماما عن العقود الأخرى.
ويشير التحقيق، الذي شارك فيه أكثر من 80 صحفيا استقصائيا، إلى المبلغ الهائل الذي دفعه المغرب للتنصت على ما يزيد عن 10 آلاف رقم، موضحا أن الاستهداف قد لا يعني بالتأكيد أن هواتف الأشخاص المعنيين قد تم اختراقها، إلا أنه يؤكد وجود محاولة للاختراق.
العلاقة بالمؤسسة الملكية المغربية
وتكشف التسريبات الأخيرة، أن الجهات الأكثر ترجيحا التي تقف وراء هذه العملية هي المديرية العامة للدراسات والمستندات التابعة لمديرية الاستعلامات، وهي جهاز لمكافحة التجسس ترتبط مباشرة بالمؤسسة الملكية المغربية.
والى جانب قمع الصحافيين،فقد لجأت السلطات المغربية إلى استهدافهم إلكترونيا وابتزازهم بمعلوماتهم الشخصية كما حدث مع الكثيرين منهم على غرار عمر الراضي وتوفيق بوعشرين.
ويقبع الكثير من الصحافيين الذين تم التنصت عليهم في السجن بتهم “الاغتصاب والاعتداء الجنسي”، وهذا ما تستنكره المؤسسات الداعمة للصحافيين كمنظمة العفو الدولية ومنظمة “فوربيدن ستوريز” وغيرهما.