رحل جمال بن إسماعيل، عن الدنيا وفي قلبه نوايا طيبة لمنطقة قصدها دفاعا عن حق الآخر في الحياة، وأملا في إخماد نيران تشتعل في الغابات بطريقة مجنونة هنا وهناك..
لم يسترح الراحل جمال بن اسماعيل حتى استنشق “دخان تيزي وزو”، وعرف أنه يشارك أهلها في إطفاء النيران، ومساعدة الآخرين على النجاة، ومد يد المساعدة لمن يطلبها.
لم يكن يدري أن نهايته ستكون أليمة وموجعة، ومثيرة لألف سؤال سيطرح على من لم يسمعوا كلماته الطامعة في فضل “المشاركة”، ولم يروا إصبعه ترتعد وترتفع نحو السماء، وهي تُشهد العالم على أنه قال: لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله..
رحلة جمال مع العمل التطوعي والخيري، لم تبدأ قبل مقتله بطريقة شنيعة، والتنكيل به وحرقه، بساعات أو أيام، بل له فيها وفي المغامرة الحلوة تجاهها صولات وجولات.
الشاب جمال، إبن مدينة خميس مليانة، فنان بسيط محب للخير، همّه مساعدة غيره، حتى وهو لا يملك فلسا واحدا، ذلك أنه بطال، ومع ذلك بنى صورة جبارة عن شاب يحبه محيطه، ويحبه كل من تعامل معه، ويعشق فيه كل من اختلط به حسّ المغامرة والبحث عن مساعدة الآخر، كلما أتيحت له فرصة..
جمال -وحسب ما تم تداوله في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي- اقترض مالا للذهاب الى تيزي وزو ومشاركة أهلها في إخماد النيران، وكان متحمسا لذلك، بشكل كبير.
وقال، وهو يستعد مع شباب آخرين، إطفاء النيران في إحدى غابات تيزي وزو، ويحمل ميكروفونا بيده: “أنا أتعلم معنى التضامن من أهلنا في منطقة القبائل”.
كان يردد هذه الجملة وهو حامل محفظة ظهرية ودون قميص، بعد أن تنقل ليلا إلى المدينة المفجوعة من ويل الحرائق، دون أن ينام أويرتاح، هو المتعود على مساعدة الغير.
صور جمال وهو قابض على “قيثارته” انتشرت في مواقع التواصل، كالنار في الهشيم، ومعها تعاليق تضامن مع العائلة المفجوعة في ابنها المحبوب، لكنها عائلة تقبلت أمر قتله حرقا بصبر كبير، حتى ان والده، الحكيم، وصف ابنه اليوم بـ”علي لابوانت”، وهو يخاطب ابناء خميس مليانة، بقوله: لديكم بطلين اليوم، وعلي لابوانت، وجمال”
أب جمال، الذي تنزلت عليه كمية كبيرة من الصبر والسلوان، قال من بين ما قاله: “نقولها ونعاودها القبايل خاوتنا ولي داروها ما يمثلوش كامل القبايل”.