تمر المنطقة المغاربية بمرحلة حسّاسة قد لا يمكن تجاوز صعوباتها قريبا بالنظر لمؤشرات الواقع السياسي، وبالنظر كذلك لمقياس حوكمة الأزمات الذي يعتبر البارومتر الأساسي لمعرفة مدى تحكم الساسة وقادة الحكومات في تسيير الأزمات، سواء أكانت هذه الأزمات سياسية أو أمنية، أو اقتصادية باعتبار ترابط القطاعات أو المجالات وما ينجر عنه من شمولية في إيجاد الحلول على غرار الأزمة التونسية.
ما يميز أزمات تعيشها بعض بلدان المغرب العربي ،هو وجود دلالات على أن المنطقة تواجه مصيرا مشتركا يؤكد ضلوع قوى دولية كبرى في بعض المعضلات الحاصلة على غرر الأزمة الليبية.
كانت شعوب المنطقة تنتظر إعادة بناء الإتحاد المغاربي ولمّ الشمل في إطار نهج جديد تقوده الجزائر عبر استراتيجية جديدة تعتمد على تبني الحوار ودبلوماسية هادئة لا مكان فيها للمصالح، وهو ما تجلى بوضوح في الأزمة الليبية وقضية الصحراء الغربية، و الذي أكسبها احتراما كبيرا على المستويين الإقليمي والدولي وأصبحت محل ثقة لمختلف الشركاء داخل الإتحاد الأفريقي.
لكن في مقابل تلك الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الجزائر لمواجهة أزمات المنطقة، تبدو المهمة صعبة وأكثر تعقيدا من أي وقت مضى مع تغير الوضع في الجارة الشرقية تونس ، ناهيك عن تعقد ملف النزاع الصحراوي بين جبهة البوليساريو و المغرب، و تشابك المصالح الدولية على حساب حقوق الإنسان وعدالة القضية المدرجة ضمن القضايا المعنية بتصفية الاستعمار لدى الأمم المتحدة.
الأزمة الليبية تشكل عبئا آخرا على المنطقة المغاربية باستمرار الخلاف بين الأطراف المعنية حول مستقبل الحياة السياسية ما بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة نهاية العام الجاري رغم ظهور بوادر انفراج منذ أشهر من خلال ملتقى الحوار السياسي، لكن عودة الخلافات باتت تثير كثيرا من التساؤلات حول نوايا المجتمع الدولي بخصوص مسعى إنهاء الأزمة وفق أجندة مؤتمر برلين.
هذه التحديات والرهانات في منطقة المغرب العربي ،تستدعي من الدول الأعضاء في الإتحاد تبني لغة حوار صريح لحل الخلافات والأزمات بعيدا عن منطق المصالح الضيقة، وهو ما تسعى إليه الجزائر حاليا عبر دبلوماسية ناعمة لا شرقية ولا غربية تضع إرادة الشعوب في صدارة الاهتمامات.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.