سقطت أفغانستان في قبضة حركة “طالبان”، بعد عقدين على إزاحتها من الحكم من قبل ائتلاف بقيادة الولايات المتحدة عام 2001.
اختار الرئيس أشرف غني مغادرة الحكم “حقنا للدماء”، ومعترفا بـ”إنتصار” الحركة التي حملها مسؤولية الحفاظ على البلاد.
وبالتزامن مع وصول طالبان إلى مشارف العاصمة كابول، غادر الرئيس أشرف غني البلاد إلى طاجيكستان، وبعد ساعات قليلة ظهر للعموم عبر تدوينة على موقع فيسبوك، قال فيها أنه اختار مغادرة البلاد لتفادي إراقة الدماء مع دخول حركة طالبان القصر الرئاسي في العاصمة كابول، مضيفا أن “طالبان انتصرت… وهي مسؤولة الآن عن شرف الحفاظ على بلادها”.
وقال إنه غادر البلاد لتجنب حدوث اشتباكات مع الحركة كانت ستعرض حياة الملايين من سكان كابول للخطر، مضيفا “إنهم يواجهون حالياً تحدّياً تاريخيّاً جديداً. إمّا أن يُحافظوا على اسم أفغانستان وشرفها وإمّا أن يُعطوا الأولويّة لأمكنة أخرى وشبكات أخرى”.
للإشارة رحيل رئيس البلاد عن السلطة، كان من أبرز مطالب حركة طالبان خلال مفاوضات استمرّت شهوراً مع الحكومة الأفغانيّة، إلا أن غني، تمسك بالسلطة، منذ عام 2014.
وبعد ساعات من مغادرة الرئيس غني البلاد، عقد قادة من طالبان مؤتمرا صحفيا في القصر الرئاسي في كابول، وخاطب قادة الحركة، الذين كان يحيط بهم مسلحون، الصحفيين في المجمع الضخم الذي يحظى بتأمين مشدد، ويضم المقر الرسمي للرئيس ومستشار الأمن القومي وهيئات أخرى.
وأعلن المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، في تغريدة على “تويتر” أن عناصر حركته بدأت بالسيطرة على كابول ومبانيها الحكومية، إثر مغادرة القوات الأمنية للعاصمة، موضحا أن الحركة ترغب في بسط سيطرتها على العاصمة بشكل سلمي، وأنها لا تستخدم القوة لتحقيق هذا الهدف.
ومع التقدم السريع للحركة ودخول مسلحيها العاصمة كابول والاستيلاء على القصر الرئاسي، دعت الولايات المتحدة و65 دولة، في بيان مشترك، حركة “طالبان” إلى
السماح للمواطنين الأفغان والأجانب الراغبين في مغادرة أفغانستان، موجهة تحذيرا إلى الحركة من “أنه ستكون هناك محاسبة في حال ارتكاب أية انتهاكات”.
وجاء في البيان أنه “بالنظر إلى الوضع الأمني الذي يتدهور، فإننا (…) ندعو جميع الأطراف إلى احترام وتسهيل المغادرة المنة والمنظمة لجميع المواطنين الأجانب والأفغان الراغبين في مغادرة البلاد”.
وشدد على أن ” من هم في موقع القوة والسلطة في جميع أنحاء أفغانستان، يتحملون مسؤولية (…) حماية الأرواح البشرية (…) وإعادة الأمن والنظام العام فورا”.
وعلقت إدارة مطار حامد قرضاي الدولي في كابول، الرحلات التجارية (الشحن)، حتى إشعار آخر، بسبب الفوضى والتزاحم الناجم عن رغبة مسافرين بمغادرة البلاد، لإتاحة الفرصة للطيران المدني لنقل المسافرين المغادرين.
وبدأت العديد من الدول بإجلاء رعاياها من أفغانستان، وعلقت شركات طيران إقليمية ودولية رحلاتها إلى كابول، بسبب التطورات السياسية والأمنية، فيما حذرت دول أخرى مواطنيها من السفر إلى أفغانستان، وسط عمليات إجلاء واسعة.
الأمم المتحدة تدعو لضبط النفس
وأمام هذه التطورات المتسارعة التي تشهدها أفغانستان، دعت الأمم المتحدة الأطراف الأفغانية إلى “ضبط النفس”، في حين يستعد مجلس الأمن الدولي لمناقشة الوضع في أفغانستان، فيما تحاول بريطانيا حشد موقف دولي ضد الاعتراف بسلطة طالبان.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الحركة وجميع الأطراف الأفغانية الأخرى إلى ممارسة “أقصى درجات ضبط النفس.
وقالت الأمم المتحدة -في بيان- إن “الأمين العام قلق تجاه مستقبل النساء والفتيات اللواتي يجب حماية حقوقهن المكتسبة بصعوبة”، مشيرة إلى أنه من المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا الاثنين لمناقشة الوضع في أفغانستان.
وفي لندن، ترأس رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أمس اجتماع أزمة حكوميا، هو الثاني في 3 أيام، حول التطورات في أفغانستان.
وصرح بعد الاجتماع بأن “الوضع يبقى بالغ الصعوبة، ومن الواضح أن حكومة جديدة ستنشأ في كابول قريبا جدا”، مضيفا أن بلاده “ستعمل مع شركائها في مجلس الأمن الدولي لإيصال رسالة مفادها أنها لا تريد أن يعترف أحد بحركة طالبان بشكل أحادي”.
وإثر اجتماع أزمة الجمعة الماضية، استبعد جونسون أي تدخل عسكري في الوقت الراهن، مشيرا إلى أن لندن تعتزم “ممارسة ضغط” دبلوماسي.
من جهة أخرى، ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أن الوزير أنتوني بلينكن بحث في اتصال مع نظرائه من أستراليا وفرنسا وألمانيا والنرويج التطورات في أفغانستان.
وفي وقت سابق، قال بلينكن أن لدى واشنطن فريقا بالدوحة يعمل مع الأمم المتحدة وقطر ودول أخرى لدعم تلك الجهود، ومعرفة إمكانية التوصل إلى تسوية سلمية لنقل السلطة.
بدورها، دعت الخارجية القطرية لانتقال سلمي للسلطة في أفغانستان يمهد الطريق أمام حل سياسي يشمل جميع الأطراف الأفغانية ويحقق الأمن والاستقرار، مشددة على ضرورة الوقف الفوري والمستمر لإطلاق النار في أفغانستان وضمان أمن المدنيين.
من ناحية أخرى، رحب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بتشكيل مجلس تنسيق أفغاني للإشراف على انتقال السلطة، معربا عن أمله أن يؤدي تنسيق المجلس إلى “الحوار والانتقال السلمي للسلطة”، معتبرا أن “العنف والحرب مثل الاحتلال لا يحلان المشاكل أبدا”.
وجاءت تصريحات ظريف عقب إعلان الرئيس الأفغاني السابق حامد قرضاي تشكيل مجلس التنسيق، لضمان انتقال سلس للسلطة، فضلا عن الحد من معاناة الشعب والتعامل مع قضايا السلام.
ويضم المجلس في عضويته كلا من قرضاي، وأمير الحرب السابق قلب الدين حكمتيار، وعبد الله عبد الله رئيس المجلس الاعلى للمصالحة الوطنية.