أمام الوضع الخطير والمقلق الذي أصبح يميز الفضاء السيبراني، خاصة على منصة شبكة التواصل الاجتماعي – تحديدا فايسبوك – من خلال ما نلمحه من مظاهر الفوضى والسلوكات المشينة والنشر العشوائي -دونما حسيب ولا رقيب- لكثير من المضامين والمحتويات من مختلف المواد الإعلامية البعيدة كل البعد عن الممارسة الإعلامية، شوهت هذه الفضاءات الاتصالية، بدل التركيز على الجودة والتحسيس والتوجيه والتنوير والتنمية، لأن من أهم أبعاد الدور الوظيفي للإعلام في إطار المجتمع هو مقاومة الشائعات والقضاء عليها، وهوما لمسناه في التعاطي مع الأخبار التي تتعلق بجائحة كورونا.
دور الجامعة ومخابر البحث العلمي في معالجة الظاهرة
لا يختلف اثنان في الدور الريادي للجامعة ولمخابر البحث العلمي في التكفل باحتياجات المجتمع.
هنا نقف عند أهمية انخراط الجامعة للمساهمة في معالجة مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية وإقحامها في التنمية المحلية والوطنية، وعلى وجه الخصوص، دور مخابر البحث العلمي في تشخيص مختلف الظواهر الاجتماعية، ومخبرنا ومن خلال مخطط عمله وبرنامجه يعمل في هذا السياق لمعالجة الظاهرة الاتصالية والإعلامية ومدى تأثير هذه الأدوات والوسائط المتعددة على الفرد والمجتمع يهتم ببحث ودراسة الميديا الجديدة بوصفها ظاهرة مستحدثة ضمن التغيرات العميقة التي يعرفها مجال الإعلام والاتصال بفعل التطورات التكنولوجية، وذلك على المستويات الابستيمولوجية، والمهنية، والأكاديمية والقانونية .
أسباب تفشي الأخبار الكاذبة
من خلال متابعتنا اليومية لمجريات الواقع بمختلف منصات التواصل الاجتماعي وما ينشر من مضامين ومحتويات خاصة على شبكة فيسبوك، بالنظر للدور الهام لها من خلال تأثرها في الآراء والاتجاهات والسلوكيات، فان من أهم أسباب انتشار وتعميق هذه الظاهرة هو انعدام ما نصطلح عليه بالتربية الإعلامية أو الثقافة الإعلامية التي توظف مختلف أدوات الاتصال ووسائل الإعلام لحماية الملتقي من هذه المخاطر، وغياب العقاب والردع على مثل هذه الجرائم وضعف المؤسسات الإعلامية التقليدية، وهوما مكن من طغيان هذه الوسائط الجديدة على الوسائل التقليدية هذه الأخيرة التي تتحرى من مصداقية الأخبار وتتنسب الخبر إلى مصدره والتي تعتمد على موثوقية مصدر الخبر والمعلومة والافتقار الى الصحافة متخصصة، باستثناء الصحافة الرياضية.
لا يعقل أن نجد عشرات العناوين في المجال الكروي بالتعبير الأدق، وليس الرياضي، في حين نسجل ندرة في الإعلام الصحي الذي يقوم بأدوار التوعية والتحسيس ونشر الوعي الصحي والتحذير من مختلف المخاطر الصحية، وهي كلها أسباب متشابكة أدت إلى تزايد وتيرة الأخبار الكاذبة “المزيفة” “المغلوطة” والتظليل وانتشار الحسابات الوهمية والمجهولة حيث تحولت شبكة فيسبوك إلى وسيلة وأداة تهدد النسيج الأخلاقي والاجتماعي للمجتمع وتأثيراتها السلبية على منظومة القيم والمثل والعادات والتقاليد والأعراف المجتمعية والأكثر من ذلك تحولها إلى وسيلة إلى التهويل والترويع والتخويف والقلق وزرع البلبلة والفوضى.
جهود لسد الفراغ القانوني
بالنظر إلى التحولات والتطورات التي يعرفها مجتمعنا في ظل الاستخدام الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي وباقي الأدوات، فإن المشرع الجزائري استطاع أن يتماشى وطبيعة هذه التحولات من خلال تكييف وضبط الإطار القانوني والتنظيمي لعملية النشر الالكتروني، وما التعديلات التي أدخلت على قانون العقوبات بخصوص تجريم نشر وترويج الأخبار الكاذبة إلا تعبير عن الإرادة الحقيقية لوضع إطار قانوني يضع حدا لمثل هذه الظواهر والممارسات والتي شوهت الفضاء الاتصالي العام.
الحرب على ظاهرة الأخبار الكاذبة
لقد سبق لرئيس الجمهورية منذ توليه إدارة شؤون البلاد التنبيه بخطورة هذه الظاهرة وتأكيده على أن “سياسية الخبر الكاذب مفسدة لأخلاق المجتمع”.
شدد رئيس الجمهورية، في اجتماع المجلس الأعلى للأمن مؤخرا، على استحداث قطب جزائي جديد لمتابعة الجرائم السيبرانية ومكافحتها وملاحقة ناشري الأخبار بقصد التهويل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ضرورة التأسيس للإعلام المتخصص أنموذجا الإعلام الصحي
ما لمسناه لدى وزارة الصحة من خلال إصدار البيانات والتقارير الصحفية آخرها كان إصدار بيان تدعو فيه الى ضرورة تجنب الأخبار الكاذبة والمغلوطة في عملية مكافحة جائحة كورونا، يجعلنا نقر صراحة أن الخطاب الرسمي يتعامل بشفافية مع الأزمة الراهنة، وهي أحد الضروريات الحتمية لتجسيد الإعلام المتخصص ومنها الإعلام الصحي.
لكن للأسف تبقى الخطابات الاتصالية عبر المواقع الافتراضية تسير عكس التيار من خلال تفشي الأخبار الكاذبة والتهويل في الكثير من الأحيان، وهو ما لا يراعي خصوصية المرحلة الراهنة والحساسة، ولا تتماشى مع التحديات والرهانات الحالية خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العالم والجزائر “المحنة الوطنية”، التي تحتم علينا التضامن والتلاحم والمساعدة وتضافر كل الجهود لمواجهة مخاطر انتشار وباء فيروس كورونا كوفيد 19.
وكسب التحديات والرهانات لأجل تحقيق الطمأنينة والهدوء للفرد والمجتمع.
الحلول الممكنة للتصدي لهذه الظاهرة
أمام هذه الانحرافات والإنزلاقات الخطيرة و”الانفلات الالكتروني ” كان لابد من دق ناقوس الخطر ومواجهة هذه الحالة من اللامبالاة واللامسؤولية وبات من الضروري التصدي لكل الظواهر السلبية والممارسات والأفعال والتصرفات، التي أصحبت تهدد القيم الأخلاقية والمعايير الاجتماعية في نشر المعلومات والأخبار والدعوة لضرورة “فلترت” النشر الالكتروني، خاصة على صفحات الشبكات الاجتماعية وعلى وجه الخصوص فيسبوك، من خلال وضع مدونة عمل للأخلاق الإعلامية والضوابط الأخلاقية تضبط في ميثاق شرف لآداب وأخلاقيات النشر على منصات التواصل الاجتماعي تحديدا “فيسبوك” تركز بالأساس على القيم والمعايير المتعلقة بالأمانة والنزاهة والمصداقية والدقة في نشر المعلومات والبيانات والأخبار والتي يتعسن الالتزام والتقيد بها خاصة فيما تعلق بنشر أي معلومات أو بيانات أو أخبار حول انتشار وباء فيروس كورونا، تماشيا والنصوص القانونية التي تضبط النشر الالكتروني في الجزائر وفي إطار النصوص القانونية لمحاربة الجريمة الالكترونية .
وفي سياق أخلقة النشر في الشبكات الاجتماعية التريث قبل نشر وتشارك الأخبار خصوصا غير الموثوقة، من خلال البحث والتروي وانتظار المصادر الرسمية دونما تسرع تخت طائلة الوقوع في المسؤولية القانونية للترويج للإخبار الكاذبة.
ميثاق شرف وأخلاقيات نشر بشبكات التواصل الاجتماعي.
في البداية يجب أن نشير الى أن هذا الميثاق هو نتاج جهود أساتذة وباحثين ومهنيين على مستوى المخبر بقسم علوم الإعلام والاتصال.
يعتمد بالأساس على تحديد جملة من الضوابط والمعايير الأخلاقية التي من شانها الحد من هذه الظاهرة في ظل بيئة إعلامية مشوهة ومتشابكة ومعقدة، والتي تعتمد أساسا على:
نشر ما هو مناسب ومفيد، وذكر مصدر المعلومات والبيانات والأخبار المنشورة،
والالتزام والتقيد بمعايير الأمانة والدقة والموضوعية والنزاهة والمصداقية، مع تحمل المسؤولية الأخلاقية والجزائية في نشر أي معلومات أو بيانات أو أخبار، إضافة إلى المتابعة القضائية لكل صاحب حساب على منصات التواصل الاجتماعي ينشر منشورات تتضمن السب الشتم القذف والتجريح والإساءة للأشخاص. وخطاب الكراهية والقيام بحملات لتطهير شبكات التواصل الاجتماعي من الحسابات المجهولة والحسابات الوهمية والأسماء المستعارة.
الدكتور محمد دحماني
مدير مخبر بحوث ودراسات الميديا الجديدة بقسم الإعلام في جامعة المسيلة