ارتمى نظام المخزن المغربي، بشكل مثير للريبة، في حضن الكيان الصهيوني، منذ العام الماضي، ويمضي بشكل متسارع في تطبيق سياسية خارجية تكاد تكون صورة طبق الأصل، عن تلك التي يتم تصميمها داخل مكتب رئاسة وزراء الاحتلال الإسرائيلي. وتجلى ذلك مرة أخرى في بيان الخارجية المغربية ردا على قرار الجزائر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة.
تأكد بما لا يدع مجال للشك، أن القادة الحاليين، للمملكة المغربية، لا يقودون البلاد بطريقة سليمة مثلما تمليه مقتضيات إدارة شؤون الحكم، ولم يعد في مقدورهم التستر على أزمة عميقة اسمها “صناعة القرار المغربي”.
وقد أبانت الأعمال العدائية المتواصلة تجاه الجزائر، أن النظام المغربي يعاني من “سكيزوفرينيا” بالغة الخطورة على البلد في حد ذاته.
فرئيس الحكومة في هذا النظام “وافق صاغرا على التطبيع المعلن مع الكيان الصهيوني”، وقال إنه ” قرار مر وصعب” بينما هرول وزير الخارجية في نفس الحكومة، بكل جوارحه نحو التطبيع.
ورئيس الحكومة نفسه، يأسف لقرار الجزائر السيادي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع بلاده ويأمل في “تجاوز الأمر عن قريب”، ووزير الخارجية ذاته يخرج ببيان “إنكار وتبجح” ويعتصر ألما على ما اعتبره قرار “غير مبرر”.
وفوق هذا كله، ملك يعترف بوجود توتر دبلوماسي وإعلامي مفتعل ضد الجزائر، ويزعم مد اليد للحوار تارة، وادعاء أن بلاده مستهدفة تارة أخرى.
وفي وقت يحاول القصر الملكي الحفاظ على “دبلوماسية الضحية” في علاقاته الخارجية، يقود العثماني الحكومة من باب الإكراه والامتثال لما يخالف قناعاته وقناعات الشعب المغربي، بينما تتواجد وزارة الخارجية في موقع جد متقدم يمكنها ممارسة دبلوماسية “الثور الأهوج داخل محل الخزف”.
لقد تنبه الجزائريون ليلة أمس، إلى بيان الخارجية المغربية، واجتهاد كاتبيه، في انتقاء كلمات معينة محقونة بسم مكشوف، يظهر مدى انبهار ناصر بوريطة، بامتهان ما يعتبره حربا نفسية وصناعة الخرافات والتأسيس لها بواسطة السرد الإعلامي الكثيف.
ولا يختلف ما كتبته خارجية المخزن، عما يكتبه يوميا، أبسط موظف ملحق بمكتب رئاسة وزراء الاحتلال الإسرائيلي. “فالإنكار” وربط كل شيء بالاعتراف أو عدم الاعتراف، هواية يومية للصهاينة، في إطار ما يصفونه بمعركة “الرأي العام الأبدية”.
كذلك المخزن حاول نكران ما رصدته الجزائر من خيانات واعتداءات وأعمال عدائية “دنيئة” و”غير ودية”، ليتجرأ على توجيه رسالة مليئة بالشر للشعب الجزائري.
والمغرب صار مثل الكيان الصهيوني، يعتقد أن تغيير الأنظمة العربية، هو الكلفة الوحيدة التي يجب أن تصرف، لقاء قبول وتقبل الاحتلال في الشرط الأوسط، لذلك انخرط في حرب دعائية شرسة يشنها عن طريق أجهزته الأمنية والإعلامية ضد الجزائر تستهدف تحديدا، العلاقة بين الشعب ومؤسساته.
اعتراف
لقد أكدت الخارجية المغربية، بغباء فاضح، أنها منخرطة في حرب الجيل الرابع ضد الجزائر، وما محاولاتها تجنب مخاطبة مؤسسات الدولة الجزائرية، إلا دليل على انضمامها إلى مخبر الخراب المتسمر ضد الدول الثابتة على مواقفها ومبادئها في العلاقات الدولية وبالأخص حيال القضايا العادلة للشعوب.
والسؤال، الذي يطرح اليوم وبشدة، من قبل نخب المنطقة وحتى من الداخل المغربي، هو ما الذي جعل النظام المغربي يرمي نفسه بهذه السرعة في حضن الاحتلال الإسرائيلي؟ ما الذي يدفعه إلى البقاء على حالة السكيزوفرينيا السياسية، التي تظهر اضطرابا غير مسبوق في مراكز صناعة القرار الخارجي؟.
من الواضح، أن مسؤولين كبار، كانوا مرتعبين من إعلان قرار تطبيع العلاقات مع الصهاينة، في وقت اجتهد مسؤولون آخرون أكثر من الإسرائيليين، وصهر الرئيس الأمريكي الأسبق، كاريد كوشنر، العراب الكبير لاتفاقيات التطبيع، لتوقيع اتفاقيات العلاقات الاستثنائية رغم الضرر المعنوي الهائل الذي لحق بالشعب المغربي.
لقد تصرف النظام المغربي، منذ السنة الماضي، وكأنه تحت خطر داهم يهدد وجوديته، وأنه مستعد لأي شيء وكل شيء في سبل النجاة رغم محاولته تسويق الأمر على أنه “براغماتية سياسية”، خاصة وأن فشل الحرب الخبيثة على الجزائر كونها التالية في الترتيب بعد سوريا، قد تفتح أبواب جهنم عليه.
معضلة المغرب أن قادته يعيشون في وهم، ويعتقدون أن حروب الدعاية والقصاصات الإعلامية والروايات السردية المجترة، سلاح فتاك، لكن الواقع المغربي لا يمكن أن يربط مصيره على ترهات تتبخر إلكترونيا بعد كل ساعة.