من بين أهم ما يفتقده الكثير منّا في حياته اليومية تلك العلاقة التي كانت تجمع الجيران فيما بينهم، فقد كانت الثقة والاخوة أهم صفاتها وأساساتها المتينة، لدرجة أن والدي مثلا كان يترك المنزل غير مقفل عند سفرنا إلى أي مكان كان، ومهما كانت مدة الغياب نجده عند عودتنا كما تركناه، فلا أحد سواء كان كبيرا أو صغيرا يتجرأ على دخوله أو سرقة شيء منه حتى وأن كان الباب مفتوحا.
بل حتى ذاك المنحرف الذي كان يمتهن اللصوصية كانت له «أخلاق» تمنعه من «كسر» حرمة بيت جاره أو عرضه، هي قوانين صارمة فرضها المجتمع على كل أبناء الحي الواحد وعلى الجميع احترامهما رغم اختلافاتهم سواء كانت تعليمية أو اجتماعية. على عكس ذلك تماما، نفتقد اليوم هذه الميزة الاجتماعية فالكل لاحظ ويلاحظ تفنن كثيرين في تزويد منازلهم بكل ما له علاقة بالحماية من السرقة حتى وصل الامر الى تركيب أبواب المصفحة، كاميرات والتظاهر والتخفي لتمويه الجار حتى يختلط عليه وقت التواجد في المنزل من عدمه.
تربى كثير منا على المثل الشعبي «الجار قبل الدار» الذي يعكس المكانة الكبيرة والأهمية التي يحتلها الجار في حياة الأفراد والمجتمعات، لذلك كان الجار دائما محل اهتمام عند شراء أو الانتقال إلى منزل جديد، ولعلّ الموروث الشعبي وما يرويه من قصص حول علاقة الجار بجاره وكذا ما تعلمناه من ابائنا حول هذا الشخص الذي احتل في بعض الأحيان مكانة أقرب من الأخ الساكن بعيدا عن أخيه، بحكم اطلاعه على تفاصيل حياتية قد يجهلها الأقارب.
لكننا اليوم، وفي كثير من الأحيان نجد أنفسنا أمام جار أهم ما يتعامل به معك هو الأذى سواء كان بالفعل أو الكلمة، بالرغم من أننا كمجتمع نعيش في عزلة تتميز بعلاقات اجتماعية محدودة، لكن الأذية المجانية كثيرا ما تدخلنا في دوامة كبيرة تنتهي لا محالة بالقطيعة لمنع استمرار المعاناة التي نعيشها كأفراد، كاسرة وكمجتمع ولنضع أيضا كل «جار» لا يحترم الـ «جيرة» عند حده حتى لا يتمادى الى ما هو أكبر وأسوأ.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.