ماذا بعد؟ هذا هو السؤال المفروض طرحه في الظرف الحالي والبحث له عن جواب حتى يمكننا أن نواجه التحدّيات المحيطة التي باتت تشكّل بالفعل طوقا ناريا من الأزمات والمؤامرات الواجب تفكيك ألغامها أو على الأقل معرفة التعامل معها لمنع الخطر الذي بات يداهمنا من كل الاتجاهات والأركان، فأينما تولي وجهك، شرقا أو غربا أو جنوبا، هناك أزمة متفجرة تلقي بشظاياها الحارقة على الجوار والإقليم قاطبة، وكلما اقتربت المساعي والجهود من فك خيوط معضلة ما، إلا وأطل خطر آخر برأسه من دولة أخرى،ما جعل محيطنا كله يتحوّل إلى حقل ألغام، لم يكن بالتأكيد زرعها في منطقتنا صدفة أو بلا سبب محدد، بل على العكس تماما، فكلّما مرّ يوم إلاّ وأدركنا أكثر فأكثر، سرّ هذا التوتّر وعدم الاستقرار الذي يخيم بقتامته على المنطقة.
ليس صدفة أن تتحوّل رغبة التغيير المشروعة في ليبيا إلى أزمة تشدّ خيوطها عديد الجهات والدول، التي يبدو بأنّ أيديها تعبث بأمن الجارة الشرقية، لكن أعينها منصبّة على ما يجاورها، وقد شهدنا كيف تحولت هذه الدولة إلى نقطة جذب ومحطة عبور للإرهابيين والمرتزقة والسلاح لتقع دولة مالي والعديد من دول الساحل في مصيدة تداعيات الأزمة الليبية التي حاول صنّاعها دفع نيرانها الحارقة إلى الجزائر لولا أن هذه الأخيرة عصيّة عن الوقوع في شرك تجّار الدّم ولصوص الأمن والثروات. بالتأكيد، الخطر المترتب عن الأزمة الليبية والذي امتد إلى جوارها لم يكن صدفة وحتى تشجيع المغرب على خرق وقف اطلاق النار في الصحراء الغربية، لم يكن بريئا أيضا، فهناك من خطط ولا يزال لتوتير الأجواء الأمنية بالمنطقة وإحاطة الجزائر بكمّ لا متناهي من التحدّيات والمخاطر، بل هناك من سعى ولا يزال إلى نقل النار إلى داخل الجزائر، تترصد وحدتها، لكن الجزائر كانت دوما بالمرصاد، وتحرّكت بقوّة لقطع رؤوس الأفاعي التي تستهدفها.
لا شك أن الوضع صعب المواجهة، لكننا على يقين أن بلادنا حدّدت طريق الخلاص بعد أن راهنت على الوحدة الداخلية وحمايتها من أي هزّة، ومعلوم أن ضرب الدول وتفتيتها يكون دوما عبر سيف التقسيم والطائفية والعرقية، وهناك أيضا اليقظة والجاهزية العسكرية، والدفع بالآلة الدبلوماسية للعمل على حلحلة وتطويق الأزمات المحيطة، فلا مجال لترك الحبل على الغارب للمتآمرين على الأمن في ليبيا ومالي والصحراء الغربية، لأن أمن الجزائر من أمن محيطها، والشعب الجزائري يدرك هو الآخر مستوى الخطر الذي بات يتهدّدنا، فالشعوب الموحدّة لا يغلبها أحد.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.