فضح قرار الجزائر، قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية، مدى عجز المخزن عن قراءة محيطه الإقليمي بالشكل المطلوب، وظهر أن من يدير دفة الشؤون الخارجية للبلد المرتمي في حضن الكيان الصهيوني بشكل مريب، لا يفهم أبدا مواقف دولة بحجم الجزائر.
في خضم تسلل الأحداث، قبل وبعد مراجعة الجزائر لعلاقاتها مع الجارة الغربية، قد يكون مهما العودة قليلا إلى الوراء وطرح السؤال التالي: هل كانت المملكة المغربية تتوقع “فعلا” أن يصل الأمر إلى قرار قطع العلاقات الدبلوماسية؟.
البيان الدعائي للخارجية المغربية، الصادر مساء الثلاثاء الماضي، زعم أن ” القرار كان متوقعا”، لكنه اعتبر في الوقت ذاته “أنه غير مبرر”. هذا التناقض، يفسر بأن قادة النظام المغربي، يعتقدون دائما أنه مهما بلغت درجة المخططات التخريبية والعدائية تجاه الجزائر فإن الرد “لا يمكن أن يصل إلى القطيعة لما تمثله من ثقل ورمزية”.
نظام المخزن تفاجأ كثيرا، بل صدم، مما جاء على لسان وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة. وتجلى هول الصدمة في حالة الارتباك التي لازمت تصريحات مسؤوليه، وتفويضه مهمة الرد إلى وسائل الإعلام المغربية وعبر شراء مساحات إعلامية لدى بعض العنوان الأجنبية للتهجم على الجزائر.
ولو كان هذا النظام يقرأ الأحداث بالشكل الصحيح، وتوقع “فعلا”، أن الجزائر ستقطع العلاقات الدبلوماسية، لكان اتخذ الإجراءات المناسبة بشكل مسبق ـ منذ إعلان المجلس الأعلى للأمن عن مراجعة العلاقات الثنائية ـ ولما أخذ موظفو السفارة المغربية وعلى رأسهم السفير، 4 أيام كاملة من أجل العودة إلى بلادهم.
جهل وسوء تدبير
من الواضح أن قادة المملكة المغربية، لم يقوموا بتحيين قراءتهم لمواقف الجزائر وردود فعلها، تجاه كل توتر أو اضطراب في العلاقات الثنائية، وظلوا مقتنعين، أن أقصى ما يمكن أن يحدث هو “تخفيض التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى القائمين بالأعمال لدى سفارات البلدين” لتعود الأمور إلى طبيعتها بعد أسابيع.
ولاشك أن العبارة الأشد وقعا على هؤلاء، هي تلك التي قالها رمطان لعمامرة: “لأول مرة منذ الاستقلال، تقطع الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع دولة لأسباب وطنية محضة”. فقد كانوا يعرفون هذا الجزء جيدا، ومن الواضح أنه كان لغاية الأسبوع الماضي المحدد الأساسي في فهمهم لجارتهم الشرقية.
وتشكل واقعة، اقتحام مقر القنصلية الجزائرية في الدار البيضاء في نوفمبر 2013، وإنزال العلم الوطني الجزائري وتدنيسه، خلفية صلب لهذا الفهم المغربي، والذي ساهم دون شك، في دفع نظام المخزن إلى المضي قدما في انتهاج خطط وسياسات أكثر عدائية تتجاوز الخطوط الحمراء.
فرغم كل ما حصل، توقف التصعيد عن تخفيض التمثيل الدبلوماسي لأشهر قليلة، قبل أن يعود السفيرين لمكتبيهما.
الخارجية المغربية استلهمت كثيرا من نظيرتها الإسرائيلية، وحاولت عبثا، تنفيذ خيارات جديدة، من منطلق فرض “الأمر الواقع”؟ وتوهمت أن حياكة المؤامرات التخريبية والدسائس، تدخل ضمن نطاق القرصنة الدبلوماسية التي ليس من السهل إدانتها، متناسية أنها في موقع لا يسمح لها أبدا بتفكير مماثل وأنها بصدد تحطيم السقف على رأسها لا أكثر.
لابد أن قادة المغرب الحاليين، أدركوا حجم الفرق، بين من يدير علاقاته الخارجية بجدية ومسؤولية وبأيدي مكشوفة، ومن يخاطب جيرانه وشركاءه التقليديين، وهو يتحسس خناجر الغدر خلف ظهره.
لقد قام هؤلاء القادة بابتزاز إسبانيا بورقة المهاجرين والإرهاب وحتى قطع خط أنابيب الغاز الذي يعبر الأراضي المغربية، وساوموا الجزائر على مواقفا، بدعم إرهابيي “ماك” و”رشاد”، والتجرؤ على المساس بوحدتها الوطنية والترابية، وفوق هذا كله جلب الكيان الصهيوني وتحريضه على تهديدها من فوق التراب المغربي.
الجهل المغربي لما يمكن أن تفعله الجزائر، يقابله إدراك تام ووعي كلي، بصعوبة الوضع الآن. فليس من السهل الآن إعادة تطبيع العلاقات الثنائية، ولهم في غلق الحدود عبرة ماثلة، فبعد 27 سنة، لازالت مغلقة، ويشكل مطلب فتحها فقرة مركزية في معظم خطابات الملك.
إن الاختلال في منظومة صناعة القرار المغربي، لم يعد ممكن إخفاءه، وقد باتت المواجهة مفتوحة بين أقطاب نظام المخزن، وليس من السهل استجماع التركيز وتوحيد الرؤية في ظل وجود متدخلين خارجيين، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني، وفي المحصلة لا يملك المغرب غير تحمل مسؤوليات سياسته الخارجية العدائية.