أعجوبة فريدة من التحاليل (الفاهمة) تسلّلت إلى الحياة الاجتماعية بالجزائر، والوطن العربي عموما، حتى صار الواحد من الناس لا يكاد يكتب على (غوغل): «غلاء المهور»، حتى يضع بين يديه عشرات الآلاف من الصفحات التي تتحدّث عن المشكلة، وكلها تندّد بـ»الغلاء»، وتتّخذ منه شمّاعة تعلّق عليها عنوسة الرّجال والنساء.. (لأن «العانس» وصف للنّوعين، وليس تخصّصا نسويا)..
ولقد تواتر هذا الحديث العجيب، حتى بدأ بعضهم يطالبون بإلغاء المهر، وآخرون ينظرون إليه على أنه (تقليد غير مفيد)!!، وصار الموضوع نهبا لكل (نطيحة ومتردّية)، فاصطنع التّكتلات والتّجمعات، وصار «المهر» موضوع نضال (مستديم)، بل إنّ هناك من يعتبر أنّه (نذر حياته) لاسترجاع حقوق (العوانس) وتخليصهم من (المهور)..
ولعل، يفوت كثيرين أن «غلاء المهر» ليس مسألة مستحدثة، بالجزائر خاصة، فالثابت أن مفدي زكريا، رحمه الله، خصّص لها (بابا) في «الإلياذة»، وكانت المسألة، على الدّوام، شيّقة ممتعة، تبعث بعض الرّجاء في قلوب (المغبونين) في الأرض، غير أن ما يسهو عنه (المناضلون)، هو أن «الزواج» الذي يرغبون فيه، لا ينعقد أصلا دون «مهر»، لهذا، تبدو الدّعوة إلى إلغائه، نوعا من (التمهبيل)، ونوعا من (السّذاجة) المزيدة والمنقّحة، أما الحديث عن «الغلاء» فهو مردود حتما، ذلك لأن الأصل أن «المهر» يلتمس ولو خاتما من حديد، لهذا، لا يمثّل مانعا حقيقيا للزواج، ولا سببا مباشرا للعنوسة، وإنما هو مجرّد شماعة، يستخدمها بعضهم بحسن نيّة، وكثيرون بخبث مسموم..
أما الغلاء الحقيقي، فهو أمام أعين (المناضلين)، ولكنهم لا ينتبهون إليه ولا يرونه، لهذا، لا تجدهم أبدا منزعجين من (تجار العقار) الذين أوقدوا النيران في أسعار الشقق، ولو صدقنا مناضلي المهور، وألغيناها، لكان الواجب أن نلغي كذلك (المنزل العائلي) لأنه غال، ونلغي شرط الوظيفة لأنها مفقوده و(غالية)، ونلغي أعراس الصالات.. ونكون قد تقبّلنا الفكر العانس..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.