استراتيجية «رفع الأسعار» التي تعتمدها ساحة التجارة في بلادنا، تدعو فعلا إلى التأمل، فهي توحي بأنّها تعتمد على ذكاء خارق، ورؤية عميقة للواقع الاجتماعي، وأنّها تشتغل وفق خطوات مدروسة بدقّة، تسمح للأسعار – في زمن قياسي – بـ(الارتقاء) المبهر الذي لا يملك أمامه المواطن المغبون إلا الصبر.. والصبر..
ونذكر أنّ (سيدتنا) الأسعار كانت معلومة في زمن الاقتصاد الموجه، وكان قانونها يسري على الجميع، فلما هبّت ريح (اقتصاد السوق)، صارت الأسعار خبط عشواء، رغما عن احتفاظ السوق بمواد مدعّمة، وكان التجار في هذه الأثناء قد تعولموا، وصاروا يتابعون البورصات العالمية، فإذا ارتفع سعر مادة بعينها، رفعوه، وإذا انخفض.. رفعوه أيضا..
وبقيت الحال على حالها، إلى أن اكتشف الفاعلون التجاريون أن المسألة تحوّلت إلى (فضيحة)، فراحوا يبحثون عن تعديلات يدخلونها على استراتيجية (الرفع)، فكان آخر ما توصّلوا إليه، أنهم صاروا يستغلون فكرة (التواصل)، ويروّجون لـ»أزمات» مفترضة، حتى إذا استقرت أخبار استشراف الأزمة، يقومون دفعة واحدة، ويرفعون الأسعار مطمئنين راضين، غير أن استراتيجية (التواصل) هاته، كثيرا ما تقع في أخطاء فادحة، حين لا يتم تعميم الأسعار الجديدة، فيقع اختلاف كبير بين التجار، وينتقلون إلى مرحلة (التلاعن).. (هذاك سارق).. (هذاك يخسّر السوق).. وهلمّ جرا من تنويعات الفجور..
نعتقد أن الذي يختار ممارسة تجارة المواد الغذائية، إنما يرجو تقديم الخدمة إلى أهله، وضمان معيشته، فهذه تجارة لا تحوّل من يمارسها إلى ملياردير، حتى وإن رفع الأسعار مليار مرة، ولكنها يمكن أن تجعل منه صاحب فضل، إن حرص على توفير خدمته في حدود مقتضيات الممارسة التجارية.. أما ما نرى، اليوم، في ميادين التجارة الجزائرية، فلا علاقة له بالتجارة، فهو بلا أصول ولا قواعد ولا تقاليد.. هي فوضى متراكمة، والله يكون في عون المغبون..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.