في دردشة مع واحد من مديري الوكالات العقارية، خطر لنا أن نطرح سؤالا عمّا يجعل أسعار السكنات تستعر، إلى درجة أنّ سعر المسكن الذي لا يختلف عن خمّ الدّجاج عندنا، يساوي ثلاثة إلى أربعة أضعاف سعر الفيلا الفارهة بإسبانيا..
وتنحنح صاحبنا، فقد تحرّكت حاسة السّمسار الظريف في حشاشة قلبه، وكاد يلمس في السؤال نوعا من الاستدراج إلى ما لا تقبله أصول (المهنة)، وبدأ في ترتيب التمهيدات البلاغية، وتحضير التوابل الإقناعية، غير أنّ عامل المفاجأة أحدث بعض الارتباك في دواخل جمله النّمطية، فعالجه بالبسمة الرائقة، ثم أطلق خطابا رنّانا، نوّه فيه بـ»المدينة الجزائرية» و»الآفاق» التي ترسمها لمن يقيم بها، ولكن حاسته السمسارية كانت تنبئه في كلّ مرّة بأنّه يعقد مقارنة مع بلد أوروبي، ما يعني أن منهج خطابه سينهار به مهما زيّنه؛ لهذا راح يضيف في كل مرّة نقيصة من نقائص سكناتنا، ثم ينقضها بأسلوب سلس، يتوسل فيه بالقرب من الأهل والخلان تارة، وبحبّ الوطن تارة أخرى، إلى أن قفزت في ذهنه الفكرة التي توسّم أنها (المقنعة)، فقال:
يكفي أنك في الجزائر لا تدفع ضرائب عن السّكن، والضرائب في إسبانيا، تكفل أن تجعل الفيلا أغلى من جبل همالايا في بضعة أعوام..
وأيقن مدير الوكالة أنّه تخلّص من مأزق السؤال، فقد بدا له أن حجة «الضرائب» لا تقهر، خاصة وأن فكرة الضرائب ببلادنا لا تطبق إلا على الموظفين، وبعض المغبونين من التجار غير الواصلين، أما المحظوظون من ذوي الجاه، وأصحاب المعارف، فهؤلاء يحظون بالإعفاء الدائم، ويشتغلون دون قيد ولا شرط ولا حتى انتساب إلى مصالح التجارة..
كان مدير الوكالة يعتقد أنه أقنع، ولكنّ وجهه تجهّم حين انتبه إلى أنّ الإسباني يدفع الضرائب، ولكنه لا يضطر إلى إحاطة سكنه بالأسلاك الشائكة.. والحديث قياس..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.