قد لا يكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الأول والأخير، لأن دول القارة العجوز يحتمل بالكثير من الواقعية أن تواجه المزيد من التفكك داخل منطقة الأورو، إذ ما اتجهت بعض الخلافات نحو التمدد واصطدمت مصالح الدول منفردة مع بروكسل، وبالتالي ربما ستكتوي بنيران التباعد التي ستؤثر على القوة الاقتصادية العملاقة المكتسحة للأسواق العالمية والمجتمعة تحت مظلة ثابتة على أرضية من الثقة والتعاون والانسجام، وتستمد الكثير من المتانة والصمود من العملاق الاقتصادي الألماني، قائد قاطرة النمو للاتحاد الأوروبي.
لا يمكن أن يتصاعد دخان من دون وجود نار لذا لم تمر تصريحات بولونية أخيرة مرورا عابرا، لأنها عمقت من هول المخاوف حول حقيقة نية هذا البلد الأوروبي من الانسحاب الجدي من الكتلة الأوروبية من عدمه، غذاها اتهام سياسيين بولونيين معارضين للحزب الحاكم بتعريض عضوية بولونيا في الاتحاد الأوروبي للخطر، بعد إشارة مسؤول كبير لضرورة تبني «حلول جذرية في الخلاف مع بروكسل»، لكن «بيوتر مولر» متحدث باسم الحكومة فند وجود أي نية لترك الاتحاد المشكل من 27 بلدا، وطمأن بأن بلاده لن تقتفي أثر طريق بريطانيا، والمصطلح عليه «بريكست».
وتحمل بولونيا التي تبدي في الظاهر تمسكا ورغبة في البقاء داخل هذا التكتل الكبير، بعض التحفظات وترغب في إيجاد حلول جذرية مع بروكسل تضع حدا لتوجساتها وهواجسها العالقة وسط سلسلة استفهامات، وبعد ذلك فقط يصبح الاتحاد بمزاياه المتعددة مقبولا لديها، ولعل القطرة التي أفاضت الكأس، إقدام المفوضية الأوروبية على التوجه نحو محكمة الاتحاد الأوروبي وتحريك قرارات لفرض عقوبات مالية على بولونيا بسبب عدم التزامها بالتشريعات الأوروبية الخاصة باستقلالية النظام القضائي، علما أن المفوضية الأوروبية تحركت بجدية ضد بولندا في محكمة الاتحاد الأوروبي، شهر أفريل الماضي، تصب مجملها في قناعتها أن إصلاح النظام القضائي يتناقض مع التشريعات الأوروبية ويفرض الرقابة السياسية على النظام القضائي.
ربما لن تتطور المؤشرات السلبية التي قد تعجل من انفراط عقد الوحدة الأوروبية على الأقل في الوقت الحاضر والسبب شراسة الوباء على الصعيدين الصحي والاقتصادي، لأن جميع الدول تبحث عن طوق النجاة ولو كان هشا لتتجاوز مرحلة قاسية من حيث الخسائر وارتفاع النفقات الصحية.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.