عندما كانت السينما واجهة ثقافية بامتياز كنا نملك “ارمادة” من الأفلام والمسلسلات، وكان المشاهد الجزائري ذوّاقا ووفيّا وحريصا على متابعة الإنتاج الوطني، لأنّه يدرك جيدا أنّ بصمة المخرجين الكبار على غرار حمينة، بديع، لعراجي، راشدي، العسكري، ستترك الجمهور يعيش في دهشة وفرجة استثنائية من خلال متابعة الأحداث المصورة بحبكة عالية يود لو أن أحداث الفيلم لا تتوقف عند ظهور شريط النهاية أو ما كنا نعيشه زمن الأبيض والأسود.
لم يكن عمل المخرجين لوحدهم يحدث الفرجة، بل كانت ترافق أعمالهم كوكبة من الممثلين والسيناريست تجيد لغة الإبداع وفنيات الشاشة الكبيرة بدقة عالية وثقتها في السيناريوهات المقترحة لا يشق لها غبار، وبفضل هذه الثنائية كانت السينما في أوج مجدها أمام قلة المورد المالي والأجور الضعيفة بل ظلّت هزيلة الى حد الوجع، إلا ان الإرادة المتباينة ظلت الى زمن بعيد تمثل صمام الأمان والنتيجة نجني ثمارها بكل فخر.
اليوم نعيش ظروفا أخرى مخالفة ومغايرة لكل الذي سبق ذكره، والتي من المفروض تكون حافزا إضافيا لكل الانجازات التي سبق ذكرها أمام البحبوحة المالية التي يعرفها المشهد السينمائي مع تعدد مصادر التمويل، لكن الواقع يقرئنا أرقاما صادمة ونتائج تجارب فاشلة ساهمت فيها ظروفا متباينة ومتعددة، ليبقى الخاسر الأكبر في العملية المشاهد والذاكرة السينمائية كأكبر متضرر.
أمام هذه العقبات وحرص الدولة على إنجاز فيلم الأمير عبد القادر يحضرني موقف أحد المخرجين العالميين، السوري نجدة انزور، الذي دخل ذات يوم سباق إخراج فيلم بن بولعيد، وعند انتهائه من إنتاج فيلم “دم النخيل” وسوريا تعيش الحرب، خاطب رئيس بلده قائلا: “لقد حرصنا أن يكون افتتاح الفيلم السينمائي “دم النخل” في الحادي عشر من سبتمبر علّنا نقدم هدية للوطن في عيد ميلاده، هدية تليق بصبره وصموده الذي يضاهي صمود أعمدة تدمر عبر الزمن، سنعبر هذا الظلام معا وسيبقى ثباتك منارتنا التي ستقود سورية نحو بر الأمان”.
لا فرق بين تدمر والأمير، فهما يشتركان في الذاكرة الجماعية للأمة الواحدة، وإحياء بطولات الشخصيات، وصمود الحواضر من المدن هي ثورة ضد ثقافة النسيان.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.