قبل شهر، وافتنا وسائل إعلام عالمية بصور الفوضى السريالية التي شهدها مطار كابول.. وقبل أيام، نقلت ذات الوسائل الإعلامية خبر هروب أسرى فلسطينيين.. لعلّ الفرق بين الحالتين هو موجة التعاطف المعلن في الحالة الأولى، ونوع من اللامبالاة في الثانية، مع أن شعور التعاطف مع الهاربين هو الغالب عادة، بل إنه هو ما صنع شهرة أعمال فنية على غرار رواية «الكونت دي مونتي كريستو»، وفيلم «الهروب الكبير» و»بابيون» وحتى «بريزون بريك»..
أكثر من ذلك، تُطلعُنا وسائل الإعلام ذاتها، على محاكمة الأسرى الهاربين المقبوض عليهم.. بالمقابل، في دول مثل المكسيك، ألمانيا، النمسا، بلجيكا، هولندا والسويد، لا يعاقب القانون على الهروب من السجن، ولا تسلّط على الهارب عقوبة إضافية، ما لم ينتهك قوانين أخرى كأن يستعمل العنف مثلا.. لماذا؟ لأنّ التوق إلى الحرية أمر طبيعي في الإنسان.
ودون فهم هذه «الغريزة»، لن تُفهم موجاتِ النزوح الكبرى التي شهدها التاريخ، أو ما يُعبّر عنه اليوم بــ»تنقل الأفراد» و»اللجوء» و»الهجرة الشرعية وغير الشرعية»… وكلّ ما سبق تعبير عن حاجات إنسانية طبيعية، كالحفاظ على الحياة، والتطلّع إلى الأفضل.. وقبل أن تحاسب بعض الدول في الضفة الأخرى «النازحين» إليها، لتتساءلْ أولا عن دورها في ضرب الأمن، والاستقرار، وفرص التنمية، في دول هؤلاء..
وإذا كانت محاولة السجين الهرب ردّة فعل طبيعية، فماذا لو كان السجن أرضاً مغتصبة، والسجّانُ محتلّا غاصبا؟ ألا يكون فعلُ الهرب فعلَ مواجهة ومقاومة؟
إن التوق إلى التحرّر والانعتاق حتمية تاريخية، وقد علّمنا التاريخ كيف أن الأرض المغتصبة قد تشهد في البداية «هروبا كبيرا» منها، ينقلب، فيما بعد، إلى «هروب كبير» إليها..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.