لم يعد يفصل الشعب اللّيبي عن موعد الحسم لإنهاء صفحة مأساوية تعيشها البلاد منذ عقد من الزمن، سوى أشهر قليلة ستتوّج بتنظيم انتخابات رئاسية تاريخية، نهاية ديسمبر المقبل، موعد يقترن تاريخه مع عيد استقلال ليبيا، و ستكون الاستحقاقات بلا شك آخر فصل من فصول أزمة سياسية وأمنية معقدة عرفتها دولة مغاربية في القرن المعاصر والحديث.
لا يمكن الحكم نهائيا -من باب التريث -على احترام كلّ الأطراف الرئيسة في ليبيا لموعد الانتخابات، لكن مؤشر التفاؤل في تصاعد مستمر، ويخيم على المشهد السياسي الليبي الذي لم يعد يعرف خلافات كانت تختف في العلن وتظهر خلف أسوار اجتماعات أعضاء ملتقى الحوار السياسي، إذ تحولت الخلافات إلى «تفاهمات» على أرض الواقع تترجمها رسائل ترحيب شعبي بقرارات السلطة التنفيذية المؤقتة التي تمضي في تعزيز مصالحة وإرساء دولة حديثة بمفهوم جديد لا مكان فيها للطائفية والعرقية.
كما أن مباشرة الأطراف الرئيسية الليبية تنفيذ تعهداتها والتزاماتها على أرض الواقع، مثل الشروع في إقرار المصالحة الوطنية، جعل القوى الغربية المؤثرة في الأزمة تجنح نحو دعم مسعى الانتخابات ودعم إخراج المقاتلين الأجانب.
وقبل هذا التحرك في الداخل والخارج،سجلت دول الجوار حضورها بشكل ايجابي وقادت جهود حثيثة لتحقيق مصالحة شاملة نحو تنظيم الانتخابات، وهو ما عزّزه الاجتماع الوزاري لدول جوار ليبيا في الجزائر، حيث كان بمثابة قمّة عربية – إفريقية شكلت قاطرة انطلاقة نحو مرحلة جديدة جسّدت تلاحما مشتركا بين دول الجوار التي مدّت يدها للشعب اللّيبي.
فتونس فتحت حدودها ووأدت شرارة فتنة كادت تعرقل التقارب المشترك بين السلطتين في البلدين وواجه رئيس الحكومة الليبية الموحدة عبد الحميد الدبيبة بكل حنكة دبلوماسية شبه حرب إعلامية غذتها أطراف معادية تسيء للعلاقات المغاربية، في حين وقعت مصر وليبيا اتفاقات تعاون وشراكة اقتصادية هامة تمهيدا لانطلاق مرحلة جديدة بعد الانتخابات الليبية وهي كلها مؤشرات تؤكد نوايا السلطة الليبية التنفيذية لتبني مشروع نهضوي لمرحلة ما بعد الأزمة وهو تخطيط استراتيجي سيمكن ليبيا من الخروج بأمان من رحم الفوضى إلى بر الأمان، هدف ما فتئت الجزائر تسعى لتجسيده عبر احتضان الأشقاء الليبيين ومرافقتهم في إدراك درب الحل السياسي لأزمة آن أوان تجاوزها خدمة لمصالح ليبيا وشعبها.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.