تعوّدنا على بيانات تشرح عزما (أكيدا) على (حجز مكانة مرموقة في السوق) لمؤسساتنا الاقتصادية. وتحرص هذه البيانات على تقديم رؤى استشرافية للإمكانات الهائلة التي ستتيحها (إعادة الهيكلة) و(رفع سقف الأهداف) و(التوجه نحو فضاءات نشاط أوسع)، وكثيرا ما تقترح (تكتلات اقتصادية) و(مجمعات) و(فتح مجالات التكنولوجيات) و(الرقمنة)، وقوالب أخرى مثل هذه تتكرر عندما يضطرّ القائمون على مؤسساتنا الاقتصادية إلى تقديم رؤى جديدة تتجاوز تلك التي أثبتت محدوديتها.
ولسنا في حاجة إلى القول بأنّ القوالب التي تستغلها البيانات موضوعية وجادّة، وهي عادة تحيط بمعظم المشاكل التي تواجه المؤسسات، بل هي معالم جيدة للنجاح. غير أن (فشل المؤسسات الاقتصادية المستديم) الذي يتواصل دون هوادة، يقول غير ذلك. فهل يمكن أن تكون تلك (القوالب) هي سبب الفشل؟! وهل يعقل أن تكون «الرقمنة» أو «فتح الفضاءات الجديدة» أو «البحث عن آفاق أوسع» مما يتسبب في الخسارة الدائمة التي تتكبدّها المؤسسات العمومية الاقتصادية؟!
نعتقد أن البيانات – في عمومها – تراهن على ما تراهن عليه كل المؤسسات الرائدة عالميا، وسقف طموحها، هو مطلب الجميع، غير أن المشكلة – في رأينا – هي أن البيانات جميعا تغفل أهمّ عامل من عوامل النجاح.. إنها تراهن على «الأشياء»، وتلقي بالفاعل الأساسي في الموضوع إلى الهامش.. إنها لا تضع في حسبانها أن كل القوالب التي ترصفها إنما تتحقق بجهد «الإنسان»، فإن صلُح، تصلح القوالب كلها من بعده، وإن اعوجَّ، فينبغي إصدار بيان جديد، (بنفس القوالب)..
إن ضمان نجاح مؤسسة عمومية وخاصة، وأساسا تلك التي تتعامل مع أسواق خارجية، يقتضي الرهان على الكفاءات أولا، تماما مثلما يقتضي تجاوز العقليات المقولبة، والتخلي عن (المعريفة) و(البنعميس) وموبقات أخرى، لا تتعرض إليها البيانات أبدا..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.